في أحد اللقاءات التي تمت بيني وبين أحد أعضاء البعثات الدبلوماسية الأوروبية بالقاهرة، بادرني أحدهم بسؤال غريب: ماذا تريدون منا؟؟ أنتم تكتبون في جرائدكم الكثير من المتناقضات عن الحالة الاقتصادية في مصر.. وترجعونها أحياناً إلي الغرب.. وأحيانا إلي الفقر، وفي مرات أخري ترجعونها إلي أسباب تاريخية. حسناً إذا كان الغرب سبباً في تخلف العرب ومصر عن اللحاق بركب الحضارة والتقدم، إذن ماذا تريدون منا؟ هل الدعم المادي؟
أم المساعدات.. ولمن؟ ولماذا نعطيكم دعماً وانتم تفخرون بالطفرة التقدمية الاقتصادية التي لم تحدث عبر التاريخ لمصر.. وحدثت في عصر مبارك.. بمعدلات تنمية «فظيعة!».
ماذا تريدون؟ وهل نترك الفقراء والمتشردين في دول أفريقية كثيرة نهباً للأمراض والجوع، وننظر لمصر التي تفخر بالنهضة الاقتصادية؟
وإذا كانت هكذا الحياة في مصر.. فما الحاجة إلي طلب المعونات والمنح والدعوة إلي الاستثمار المباشر من دول الاتحاد الأوروبي؟ أخبرونا ماذا تريدون منا؟
من حيث المنطق فإنهم محقون فيما يقولون.. ومن حيث الحقيقة.. فالصورة مختلفة اختلافاً واضحاً. إننا نهوي إلي حفرة عميقة من التردي الاقتصادي لم تشهده مصر منذ عقود طويلة.. ونريد من كل الدول المتقدمة مساعدات.
وطلبنا للمساعدات ليس استجداء، إنما هو حق لنا عليهم.. كيف؟
هذا ما أود أن استرسل فيه.
بداية.. تعاني كل دول أوروبا من مشكلة الهجرة غير الشرعية التي وصلت إلي أرقام كبيرة، وتكاد تهدد بإحراج الأنظمة الاقتصادية والاجتماعية لديها.. وتلك الهجرة من دول عربية بالشرق الأوسط ومنها بالطبع مصر.. وأسباب الهجرة سواء الشرعية أو غير الشرعية هو ضيق الرزق وعدم وجود فرص عمل حقيقية ببلادهم وعدم الاستقرار الاجتماعي لعدم وجود مشروعات اقتصادية حقيقية تجذب إليها الفائض من العمالة.
وثانياً.. ما ترتب علي تواجد أعداد كبيرة من المهاجرين في أراضي دول أوروبية خلق نوعاً من تغير الأفكار الراسخة في أوروبا.. دينياً واجتماعياً وسياسياً نتيجة الاندماج بين المهاجرين وأصحاب الأرض.. وقد يكون سبباً في خلق أفكار متطرفة تسبب أنواعاً من العنف.
ثالثاً.. تواجد تلك الأعداد من المهاجرين بالأراضي الأوروبية يعيق حركة وعجلة التنمية فيها، ويسبب نوعاً من البطء في رفع معدلات التنمية نظراً لوجود نمط استهلاكي غير متوقع.
رابعاً.. تهديد منظومة الاتحاد الأوروبي في كيانها.. وتعطيل صدور الدستور الموحد لها وبقية المنظومة.. التي تهدف في الأساس إلي تواجد قوة أوروبية تقف أمام القط الأوحد.. أمريكا!!
ما الذي نريده منهم؟؟.. سؤال أصبحت الإجابة عنه الآن واضحة.. أن ما سوف تنفقه دول أوروبا مجتمعة لحل تلك المشاكل، لا يساوي شيئاً بالمقارنة بالمنح التي تعطيها أو تمنحها دول أوروبا لدول الشرق الفقيرة.. وما سوف تمنحه أوروبا – بدولها مجتمعة – سوف يدير عجلة التنمية لديها.. وسوف تستكمل دورات التقدم الحضاري لكثير من مصانعها. ومنشآتها الاقتصادية.. وذلك بتغيير وتبديل الأساليب القديمة في التصنيع بالجديد وعمل إحلال لها.. وترك القديم لدول أخري فقيرة تحتاج إلي تلك التكنولوجيا.. ولا تملك ما تدفع فيها.
لقد ذكرتني تلك الحالة.. بمشروع قديم.. أقدمت عليه أمريكا مع الاتحاد السوفيتي في أواخر السبعينيات من القرن الماضي.. تحت اسم اتفاقية «السلت».. وهي اتفاقية التخلص المتبادل بينهما من الأسلحة النووية وأسلحة التدمير الشامل.. وتبع تلك الاتفاقية.. بروتوكولات أخري للتفتيش المتبادل والصيانة والأمن للمحطات النووية.. والتي تصل تكلفة إيقاف أو هدم محطة نووية إلي أرقام فلكية. .قد تكون أكبر بكثير من أرقام إنشائها.. وكان الاتحاد السوفيتي في ذلك الوقت يعاني نقصاً شديداً في محصول القمح.. بسبب الأحوال الجوية السيئة.
نحن في وضع مشابه لهذا.. هم يريدوننا ونحن نريدهم.. لصالح شعوبنا ولصالح السلام الدولي والسلام الاجتماعي.
ووزارة التعاون الدولي بقيادة الوزيرة الأستاذة/ فايزة أبوالنجا.. واحدة من تلك الآليات التي تستطيع أن تساعد كثيراً في هذا الموضوع، وتستطيع.. بإمكانيتها ومساعديها أن تنقل مصر من دولة نامية إلي دولة مشاركة ولها كيانها.
وللحديث بقية…