تشهد الساحة المصرية في هذه الآونة مرحلة غير مسبوقة في التاريخ المصري من الحراك السياسي الهادف الذي لا يكتفي برصد المشاكل وإنما أيضًا بطرح الحلول والبدائل وصياغة الأفكار والأطروحات الجديدة من أجل تحسين واقع المجتمع وإحداث تغيير حقيقي، خاصةً فيما يتعلق بمستقبل الوطن.
ومن الجدير بالذكر أنه في ظل موضوعاتنا السياسية الهامة يبقى الحديث عن الانتخابات الرئاسية متصدرًا قائمة أولويات الأجندة الوطنية خاصةً في وجود حالة من الصراع السياسي واللا استقرار الذي يخيم على المناخ المصري عامةً، والانقسامات العديدة في صفوف الحزب الوطني وأحزاب المعارضة وعدم وجود اتفاق سياسي بين قوى المعارضة على مرشحهم القادم للرئاسة.
وأقتصر الأمر على اجتهادات فردية لرموز المعارضة المصرية والأحزاب التي تبارت خلال الفترة الماضية بالتصدي لفكرة التوريث وأبرزها ما حدث مؤخرًا من دعوة الدكتور أيمن نور لمواجهة شبح التوريث أو بتقديم اقتراحات حول مستقبل مصر تنبع من وجهات نظر معينة وأخرها ما قدمه كاتبنا الكبير هيكل من تشكيل لمجلس الأمناء بزعامة الرئيس مبارك وعضوية العديد من الشخصيات الوطنية والعامة والتي تحظى بقبول المصريين بغرض تغيير الدستور المصري والإعداد لمرحلة انتقالية لضمان انتقال آمن للسلطة.
لكنها لم تصادف هوى الدولة وأعتبرها الكثير مخطط انقلابي ما لم يدعمه القصر الرئاسي، وطرح مبنى على فرضية ترى الدولة وكأنها بناء منكس أو آيل للسقوط يحتاج إلى إعادة بناء وتأهيل.
ورآها البعض أهواء ليست مصر في حاجة إليها طالما لدينا دستور وقوانين حاكمة تنظم حركة وسير البلاد ولا مجال للحديث عنها إلا عند مرور البلاد بفترة انتقالية غير مستقرة فكانت بمثابة أحلام غير قابلة للتنفيذ على أرض الواقع.
وكان من الأحرى لهيكل إذا ما أراد طفرة دستورية حقيقية أن يتبنى كما ذكر بيان حزب الوفد فكرة إقامة جمهورية برلمانية قائمة على الانتخابات فهذا أقرب إلى ما يبغيه من تعديلات أفضل، حيث أننا لا نعيش أزمة دستورية أو فراغًا سياسيًا.
ومع الافتراض الكامل لحسن النوايا لكل المعنيين بأمر مصر والصالح العام فإن أنماط التضارب السياسي التي ظهرت فيما بين المعارضة المصرية ما بين دعوات لمناهضة التوريث واقتراحات لتعديلات دستورية. في ظل عدم التوافق على أمر جامع تبقى مجرد كلمات دون معنى وشعارات دون جدوى لن يلتفت إليها أحد إلى أن تنتهي الأمور. وحينها نلتمس مجالاً آخر يشغل الرأي العام ولن نحقق فيه شيئًا إن ظللنا بهذه الصورة.
فالمعارضة ذات الرؤى المتعددة والأفكار المتشعبة معارضة هشة تفرح الحزب الحاكم بل وتكن في صالحه ويعتبرها ديكورًا جيدًا لحرية الرأي والتعبير وصرحًا ديمقراطيًا عاليًا ضعيف الأساس وتكن بمثابة أشخاص ينادون في الصحراء فأنى يستجاب لهم؟
كما أن انقلاب رموز المعارضة وهجوم البعض على البعض الآخر والتشكيك والتخوين لاختلاف وجهات النظر والنقد الصريح اللاذع على مرأى ومسمع الجمهور، أمور يجب مراعاتها والعلم بأنها تضعف من كياننا وتفقد الثقة في نزاهتنا عند كل مصري.
فضلاً عن أنها تثير اشمئزازًا واستياءًا لدى جموع المصريين وتشعرهم بأن المعارضة غير صادقة في وقوفها ضد النظام وأنها غير قادرة على اتخاذ مواقف حقيقية أو تقديم بدائل سياسية جادة قادرة على المنافسة وإنقاذ مصر من مصير مجهول لا يعلمه بشر.
وتوجب عليها تبنى اتجاه موحد في هذه الآونة خصيصًا والتي تتطلب اختيار مرشح للرئاسة يتمتع بالقبول العام وله خلفية سياسية يستطيع من خلالها تفهم مشكلات المجتمع والظروف السياسية والدولية المحيطة والنهوض بمصر لمستقبل أفضل في ظل برنامج سياسي يعده ائتلاف المعارضة لم تكن دارت حوله من قبل أية شبهات أو نواقص وتتفق عليه القوى السياسية ويلبى رغبة وإرادة الجمهور.
وليعلم الشعب أن المعارضة وحدها لن تغير شيئًا ما لم يدعمها تأييدًا شعبيًا ونوايا جادة للتغيير والخروج من عنق الزجاجة والمشاركة الفعالة في الانتخابات البرلمانية والرئاسية القادمة في وجود إيمان وقناعة بتأثير صوت الفرد الانتخابي الذي إن لم يسهم في إحداث التغيير فإنه على الأقل سوف يحد من تزييف إرادة الشعب.
وتلك هي الصورة اللائقة التي يجب الظهور بها إن أردنا الخروج من بحور الفساد وإلا فلنضع رؤوسنا في الرمال ولا ننتظر التغيير.