أحمد أبو حجر-محمد شعبان-أمانى زكى-محمد عبداللطيف
إذا كان حبيب العادلي ورجاله قتلوا الثوار برصاصهم، فإن كثيرين أضاعوا حقوق الشهداء إما تواطؤا أو إهمالا أو جبنا أو طمعا، وبينما يقف عدد من ضباط الداخلية
وقياداتهم في قفص الاتهام، يعمل الكثيرون خارجه لضمان خروج القتلة دون أن يلقوا جزاء ما صنعوا بأزهار مصر وخيرة شبابها الحالمين بالتغيير.
الحكم الذي صدر مؤخرا ببراءة الضباط المتهمين بقتل شهداء السيدة زينب ليس إلا مقدمة لأحكام أخري مماثلة، لُيقتل الشهداء مرتين، أولهما بالرصاص وثانيهما بعدم معاقبة قتلتهم في الدنيا، ليُخرج “الباشوات” ألسنتهم للجميع، بعدما تحول الجاني إلي شريف يدافع عن نفسه، والشهيد إلي مجرم ينبغي إعدام رفاته.
لو كان محاسبة قتلة الشهداء واجبا، فإن محاكمة من أضاعوا دماءهم أدعي، و”الوفد الأسبوعي” بهذا الملف تطالب بمحاسبة من قتلوا الشهداء للمرة الثانية، وعلي رأسهم المجلس العسكري والنيابة العامة والإسلاميون وكبار المحامين والتليفزيون المصري ووزارة الداخلية، فهل يمكن أن يلقي هؤلاء جزاؤهم العادل في الدنيا، أم كتب علي المصريين أن يؤجلوا قصاصهم دوما ليوم القيامة؟
الداخلية تسترت علي القتلة ودمرت أدلة الاتهام
ردود أفعال غاضبة اجتاحت أوساط الرأي العام علي خلفية الأحكام القضائية، التي صدرت بتبرئة بعض ضباط الشرطة المتهمين بقتل المتظاهرين في أحداث ثورة يناير.. فقد امتد غليان الغضب في النفوس، الي تحريض العقول علي التكهن بأن ما حدث بشأن ضباط السيدة زينب ليس سوي بداية لمسلسل، ستسير مشاهدة من نفس الاتجاه، أو بمثابة الخطوة الأولي في طريق اغلاق ملفات الاتهام، من أحداث السويس الي تورط مبارك والعادلي مرورا بالمدبرين لموقعة «الجمل» الشهيرة ثم ضباط وأمناء الشرطة تمهيدا لطي صفحات القضايا المرتبطة بدماء شهداء الثورة وبذلك تضيع هذه الدماء هدرا لأن واقع الحال يؤكد وجود قتلي، فشلت كافة التقديرات في حصر أعدادهم.
وفي المقابل لا يوجد قتلة أو محرضون أو مسئولون كانوا في موقعة الصدارة، أعطوا تعليمات فوقية.. هكذا تذهب التكهنات المرتبطة بقراءة الواقع.. وهنا الأمر لا يخص من قريب أو بعيد الأحكام ذاتها باعتبار أنها جاءت نتيجة لشيوع الاتهامات، والأقوال المتضاربة للشهود، وعدم وجود أدلة دامغة من شأنها تحديد المتهمين خاصة أن الأحكام القضائية، وأتصور وفق الرغبات أو ممارسة الضغوط لكن حسب ما يتوفر أمام الجهات القضائية من أدلة الثبوت، وفي هذه الحالة نجد أن التساؤلات تقفز علي السطح لعل أبرزها، من المسئول عن تقديم هذه الأدلة ولماذا لم تقدم؟ وما هي الأيدي الخفية التي عبثت بهذه القضايا.. لكن ربما تتبدد الدهشة من التساؤلات إذا ما علمنا أن وزارة الداخلية تسترت عمدا، علي إخفاء الكثير من الحقائق المرتبطة بأحداث الثورة. وهي المنوط بها وفق القانون تقديم التحريات الي جهات التحقيق القضائي خاصة أن كافة الجرائم جرت في العلم وبالصوت والصورة بل كان يتم بثها علي الهواء مباشرة في العديد من القنوات الفضائية المحلية أو غيرها، فضلا عن البلاغات المقدمة من العديد وتتضمن معلومات وصورا وكليبات تكشف الكثير من الحقائق من بينها المرتبطة بحالات الدفاع عن النفس، أثناء عمليات الاقتحام لمقرات الشرطة وغيرها لكن بعيدا عن كل ما تم تقديمه الي لجان تقصي الحقائق أو جهات التحقيق في أحداث الثورة، هناك أدلة لا تقبل أي تغيير أو شك فيما تحمله من مشاهد كلها كانت ومازالت بحوزة وزارة الداخلية وأزحنا النقاب عنها قبل 6 أشهر كاملة، وهي عبارة عن أشرطة مسجلة بالصوت والصورة.
التقطتها الكاميرات في ميدان التحرير ومنطقة ماسبيرو وكوبري 6 أكتوبر وعبدالمنعم رياض، وهذه الكاميرات لم تكن محمولة علي الأكتاف، وليست خاصة بأجهزة الهواتف النقالة لكنها مثبتة ومرتبطة الكترونيا بغرفة عمليات خاصة بالمتابعة، وموجودة في الإدارة العامة لمرور مدينة نصر وهي تقوم بالتسجيل طوال 24 ساعة يوميا وتتلقي الغرفة عمليات البث المباشر، من خلال شاشات ذات تقنية عالية ترصد ما يجري في جميع الميادين العامة من خلال 80 كاميرا تم استبدالها بعد الأحداث الإرهابية، التي جرت في شرم الشيخ وكلفت الموازنة العامة للدولة نحو 250 مليون جنيه طبعا بخلاف العمولات.
هذه الكاميرات التي يوجد منها 4 في ميدان التحرير وحده التقطت صورا حية للأحداث ومواقع القناصة والأفراد والمواقع التي تحرك منها مدبرو موقعة الجمل أو مذبحة ميدان التحرير.
الغريب أن وزارة الداخلية أثناء التحقيقات وتولي منصور عيسوي مسئولية الأمن في البلاد لم تقدم ما جري تصويره ولم يصدر منها ما يشير من قريب أو بعيد الي وجود مثل هذه الغرفة وما بها من تسجيلات خاصة أن غرفة العمليات ووفق مصادر ذات أهمية أكدت أنها تقوم بتسجيل 1690 ساعة يوميا بدون توقف أو انقطاع، وتحتوي علي جميع الأحداث التي جرت في 25 يناير وإلي الآن.
لم، تكن قصة هذه الكاميرا هي كل شيء يشيرالي وجود أدلة دامغة حول ما جري.. ولكن هناك أدلة أخري مرتبطة بما جري في مصر من حرائق لمقرات الشرطة وتتضمن الأشخاص الذين ارتكبوا هذه الأفعال ولم يحرك أحد ساكنا تجاهها في حين أن المبادرة بالتحقيق، والقبض علي بعض المتورطين قطعا سيقود الي حقائق كثيرة، ربما تقلب الدنيا رأسا علي عقب، وتكشف حقيقة ما جري في مصرمنذ يوم 28 يناير وماأعقبه من أحداث دامية، راح فيها مئات في ميدان التحرير، وميادين أخري، والعديد من المناطق التي توجد بها مقرات لوزارة الداخلية الأمر الذي يذهب الي الشك في صمت بعض القوي و التيارات أمام الأحكام المرتبطة بالبراءات، والموقف من الشهداء وميدان التحرير وما به من احتجاجات أما الأدلة فهي التي جري تصويرها علي الهواتف وتم نشرها وإذاعتها علي الهواء وتضمنت مشاهد بالصوت والصورة وتم الاكتفاء حياله بالقبض علي بعض البلطجية وناهبي الأسلحة، وإحالتهم للمحاكمة لإغلاق هذا الملف، لكن بالنظر الي الأوضاع في البلاد هناك ضرورة ملحة لفتح كافة الملفات خاصة أنه في ظل الضبابية وحالة الفوضي لا يستطيع أحد، أن يجزم من هو القاتل أو القتيل علي الأقل في أوساط الرأي العام.
كما أن الحديث عن وجود قناصة تابعين للداخلية وما تبعه من نفي رسمي صدر من الوزارة وعلي لسان القيادات فهو يحتاج أيضا الي شفافية، لأن الأمر ارتبط بوجود عناصر أجنبية لعبت دورا في إثارة البلبلة، والكثير أنه حتي الآن لم يخرج، تقرير رسمي من جهات التحقيق أو لجان تقصي الحقائق يثير هذه القضية ويكشف النقاب عن الحقائق كاملة عما اذا كانت هناك أدوار غامضة لقوي خارجية أم أن القصة من بدايتها لنهايتها محاولة من جانب الداخلية لتبرئة ضباطها من دم الشهداء، ويغلق هذا الملف تماما بالضبة والمفتاح.. وبعيدا عن الرغبات الرامية، بإصدار أحكام عشوائية والتي تخرج نتيجة للغضب الشعبي والاحتجاجات، الجميع ارتضي أن يحاكم المتهمون بالقانون.. وهذه المحاكمات تحتاج الي أدلة والأدلة في حوزة الداخلية.. ولو تم التخلص منها لأسباب أو لأخري فإن الداخلية وحدها دون سواها تتحمل أمام الشعب والتاريخ مسئولية الإفصاح عما لديها من معلومات وتحريات بداية من دم الشهداء، وليس نهاية بالمتورطين في اقتحام أقسامها وتخريب منشآت الدولة لكي يكون القانون دون سواه هو السيد علي الجميع دون النظر الي الرغبات والانفعالات الغاضبة، والمثير في هذا كله أن الداخلية تقابل الغضب بحماية بعض ضباطها الذين حامت حولهم الشبهات، تارة بنقلهم أو بترقيتهم.. وهنا تكمن علامات الاستفهام.
المجلس العسكرى.. رفض إحالة الضباط القتلة لمحاكم عسكرية.. وحاكم 12 ألف مدنى أمامها
صدق أو لا تصدق.. المجلس العسكرى الذى حاكم 12 ألف مدنى أمام محاكم عسكرية رفض محاكمة الضباط والعساكر قتلة الثوار والمتظاهرين أمام المحاكم، وأصروا على أن يحاكموهم أمام محاكم مدنية بدعوى احترام القانون وحقهم فى الدفاع عن أنفسهم، رغم أن هؤلاء أجدر الناس بالمحاكمة أمام القضاء العسكرى، ولذلك كان طبيعياً أن يخرج ضباط السيدة زينب المتهمون بقتل وإصابة العشرات براءة.
كان الأولى بالمجلس العسكرى إذا كان يريد القصاص من الشهداء أن يحول الضباط المتهمون بقتل المتظاهرين إلى محاكم عسكرية ومحاكمة ضباطه الذين سحلوا الثوار وأطلقوا النار عليهم فى أحداث مجلس الوزراء، خاصة أن قادة العسكرى قدموا اعتذارات صريحة للشعب عن الاعتداءات على المتظاهرين وهو ما يعنى اعترافهم بارتكاب الجرائم التى لم يتم التحقيق فيها حتى الآن.
مجدى أحمد حسين، رئيس حزب العمل، قال إن دماء المتظاهرين ستظل معلقة فى رقبة المجلس العسكرى، فالمشكلة الحقيقية التى نعيشها الآن أنهم ليسوا مع الثورة وهم وجدوا أنفسهم فى لحظة استثنائية يديرون البلاد ولا يريدون توقيع القصاص على قتلة الشهداء، ولو أرادوا ذلك لفعلوا وقاموا بتحويل الضباط المتهمين إلى محاكم عسكرية بدلا من إهانة الثوار المدنيين أمام تلك المحاكم فهناك 12 ألف مدنى وقفوا أمام القضاء العسكرى، وكان الأولى بقتلة الثوار أن يحاكموا عسكرياً، ولكن العسكر ليس لديهم أى نية فى ذلك.
وأشار إلى أن المجلس العسكرى يتدخل فى أحكام القضاء، ولو كان العسكر مع الثورة فعلا لأنشأوا محاكم ثورية فوراً، وقام بمحاكمة جميع من أفسد فيها ومنهم بالطبع الضباط المتهمون بقتل الثوار، مضيفاً أنه لو كان أهالى الشهداء وجدوا أن «مبارك» قد تم القصاص منه وأعدم أو حتى صدر حكم بشأنه كان من الممكن أن يقبلوا أحكام البراءة التى صدرت مؤخرا، ولكن العسكر راهنوا على سلاح الوقت وأنه بعد مرور عدة أشهر سيتم نسيان القضية وهذه رؤية خاطئة، لأن الشارع المصرى لن ينسى قتلة الشهداء وسيظل يتعقبهم حتى يتم القصاص منهم.
وأشار أحمد بهاء الدين شعبان، وكيل مؤسسى الحزب الاشتراكى المصرى، إلى أن المجلس العسكرى والشرطة فى حالة عداء تام مع الثورة ويعتبرون من خصوم الثورة ومعهم قطاعات كبيرة من القوى السياسية ساعدتهم على ذلك مثل بعض القوى الإسلامية، ليتم وأد الثورة وإجهاض حلم المصريين فى القصاص من قتلة الشهداء ولا يستطيع أحد أن يأتمن المجلس العسكرى على حماية دماء الشهداء.
وقال شعبان إن المجلس العسكرى كان عليه أن يتخذ خطوات إيجابية ويحيل الضباط المتهمين بقتل الثوار إلى المحاكم العسكرية بدلاً من تعذيب الثوار والمدنيين أمامها، لكنه اختار أن يحيل المدنيين إليها ويترك القتلة طلقاء، مضيفا أن العسكر شئنا أم أبينا جزء من نظام «مبارك» ويلعبون دوراً أساسياً فى إجهاض الثورة فبمجرد إزاحة الرئيس المخلوع وضع خطة محكمة لتشويه الثورة والحفاظ على ما تبقى من النظام السابق الذى يعتبر الضباط جزءا أساسيا منهم، والأخطر أن العسكرى لم يحاسب ضباطه الذين سحلوا الثوار وقتلوا المتظاهرين فى شارع محمد محمود وأمام مجلس الوزراء.
وأشار إلى أن العسكرى الذى من المفترض أن نطالبه بمحاكمة القتلة هو الذى أطلق رصاصه بعد ذلك على قلوب المتظاهرين وهو متورط فى قتل الشهداء أيضاً، ومن الصعب أن يحاكم الضباط المتورطين فى قتل الثوار أيضا فى محاكمة عسكرية لأن هذا يعنى أنه سيقدم عدداً كبيراً من جنوده أمام تلك المحاكم مما يجر المحاكمة إلى نقطة من أصدر أوامره لهم بإطلاق النار.
وقال اللواء وجيه عفيفى مدير المركز العربى للدراسات السياسية والاستراتيجية إن الضباط المتهمين بقتل الثوار من رجال الشرطة يجوز محاكمتهم أمام محكمة عسكرية مثلهم مثل كل ما يرتبط بقانون الخدمة العسكرية والقانون العسكرى نفسه يبيح ذلك، ولكنه لا يبيح محاكمة المدنيين أمام تلك المحاكم ولا يجوز إطلاقا محاكمتهم عسكريا ولكن العسكر لا يريدون أن يحاكموا الضباط فى محكمة عسكرية، والحجة التى يسوقها بعض مريدوه أن المحاكم العسكرية لا تتيح استرداد الأموال وهو رد خاطئ، لأن الضباط المتورطين فى قتل الثوار لا نريد منهم أن يردوا لنا أى أموال لأنهم غير متهمين بتهريبها.
وتابع: الأغرب أن قانون المحاكم العسكرية لا يبيح محاكمة المدنيين أمام محكمة عسكرية إلا فى حالة الحرب وحدوث أى عدوان على مصر وهو ما لم يحدث، إلا إذا كان المجلس العسكرى يرى أن الثورة حرب وعدوان عليه وكان على قادة العسكر أن يحافظوا على رصيدهم الموجود لدى الشارع بمحاكمة الضباط عسكريا لأن الشارع لديه فهم للمؤسسة القضائية العسكرية على أنه قضاء صارم يمكن أن يعيد حقوق الشهداء.
وشدد محمد أنور عصمت السادات رئيس حزب الإصلاح والتنمية أنه من باب أولى محاكمة الضباط المتهمين بقتل الثوار عسكرياً وأمام القضاء العسكرى بدلا من محاكمة المدنيين أمام تلك المحاكم، وكان على العسكرى رغم الاعتراض العام على تلك المحاكم أن يستخدمها للقصاص من قتلة الشهداء.
وأشار إلى أنه المطلوب الآن طالما لم يتم إحالة القتلة إلى محاكم عسكرية أن نترك العدالة تأخذ مجراها الطبيعى وأن نطبق سيادة القانون أمام المحاكم وأن نترك للقاء العادى القصاص بما يراه صالحاً لمصر، فنحن نثق فى هذا القضاء ولا نشكك فيه.
وقال الدكتور إبراهيم زهران رئيس حزب التحرير المصرى إن أدلة قتلة الشهداء كلها ضاعت ودماء ما يقرب من 1000 شهيد معلقة فى رقبة المجلس العسكرى لأن المحاكم العادية فى ظرف استثنائى غير مجدية على الإطلاق، وتضمن البراءة لعدد كبير من المتهمين، وكان على العسكرى أن يحاكم المتهمين عسكريا أو أن يعقد محاكم استثنائية مثل كل الثورات التى اندلعت فى العالم وتلك كانت ستكون الضمانة السياسية للقصاص من الشهداء، لأن ملفات القتلة فى وزارة الداخلية لا يمكن أن تخرج منها بأى شىء يدين الضباط.
وأشار إلى أن أصل المشكلة فى أن السلطة الحاكمة الآن تحاول الدفاع عن نظام مبارك وعدم القصاص من قتلة الشهداء الذين يعتبرون الأساس فى قيام النظام، فقرروا المماطلة فى القضية حتى يتم نسيان القضية وهو ما نجح فيه العسكرى إلى الآن.
وأشار زهران إلى أن القاضى الذى نطق بالحكم فى قضية ضباط السيدة زينب لا يعترف بالثورة حتى الآن ووصف ثورة يناير فى مسودة الحكم بأنها احتجاجات وهو يعتبر الثورة هوجة وانتهت.
الإسلاميون.. باعوا الدماء بحفنة مقاعد واتهموا المطالبين بالقصاص بالبلطجة
فى الوقت الذى تصاعدت فيه حدة الأصوات المطالبة بالقصاص من قتلة الثوار، وما أعقبه من تداعيات أمام مجلس الوزراء وماسبيرو وشارع محمد محمود، نزلت الأحكام الخاصة بتبرئة ضباط الشرطة فى أحداث السيدة زينب مثل الصاعقة، التى هزت قوى الاحتجاجات فى الميادين، ودفعت فى اللحظة ذاتها لتنامى المخاوف لدى أسر الشهداء، من أن تصبح دماء ذويهم بلا فاعل يلقى العقاب، وأن يتحول مصير من راحوا ضحية الأحداث المتفرقة فى الشوارع والميادين مثل مصير من سبقهم، وتضيع الدماء هباءً.
الغريب أن حالة الغضب التى وجدت تعاطفاً من قطاعات وقوى عديدة لم يصل صداها إلى تيارات الإسلام السياسى، أو أن صداها وصل بالفعل، لكن الأمر من بدايته إلى نهايته لا يعنيهم فى شىء، وكأن كل فريق يغنى على ليلاه.. فالذين يواصلون الاحتجاج ويطالبون بالقصاص، مشغولون بالحديث عن شرعية الثورة، التى مهدت إلى تغيير الأوضاع ولو جزئياً، والتيارات الإسلامية مشغولة بحسابات المكسب والخسارة، وطرح مشروعات مثيرة للجدل وباعثة على الخوف من اعتلائهم، ولم يلتفت أى من تلك التيارات لما يجرى فى البلاد من أحداث وحرائق، وقفز على الثورة وما حققته من إنجازات، لعل أقلها إزاحة مبارك وأركان حكمه عن السلطة، وإغلاق ملف توريث الحكم إلى غير رجعة، ويبدو أن المكاسب السياسية التى تسعى إليها التيارات الإسلامية، أهم بكثير من المصلحة العليا للبلاد، ولم يعد خافياً على أحد أن هذا التيار بكل تنويعاته ومناهجه المختلفة، أحبط القوى الثورية فى العديد من المواقف، وخذلها، فقوى الاحتجاجات هى التى أخذت المبادأة وفجرت الثورة، وضعت ما بها من أحداث راح ضحيتها المئات من الشباب الذى دفع ثمن مواجهة الاستبداد والديكتاتورية، وهو الذى أوصل البلاد إلى ما نحن فيه الآن، من تطلعات شعبية نحوالحرية، وممارسة الديمقراطية الحقيقية، ولكن تيارات الإسلام السياسى انسحبت من المشهد الصاخب، تاركة القوى الناشئة فى مواجهات مع السلطة، بغرض التفرغ لإدارة المعارك الانتخابية وضمان الأغلبية فى المقاعد النيابية، بل وصلت الأمور إلى حد اتهام المطالبين بالقصاص، بأنهم مجموعات من البلطجية، لكن قراءة المشهد بدقة تذهب إلى إظهار الأسباب الحقيقية من وراء ذلك وهو اختطاف شرعية الثورة، التى نادى بها الجميع، ليحل محلها شرعية البرلمان، فهذا الذى يظهر فيه الرحمة، يخفى أموراً كثيرة تدل على الانتهازية.
فمنذ اللحظة الأولى من الاستعداد لثورة يناير، التى بدأت بمظاهرات عادية، سرعان ما وجدت التحاماً شعبياً، وتنامت مطالبها لأن تتحول إلى ثورة ومواجهات غاضبة، انتهت بالرصاص، والدهس بالسيارات، ولم تشارك هذه التيارات بما فيها الإخوان إلا فى اليوم الرابع، بعد الحشد فى المساجد، وانهيار قوة الشرطة، بل المؤسسة بكل ما فيها، فجرى الحديث عن حماية الثورة من خلال استعراض القوة فى ميدان التحرير، أما التيار السلفى فلم يكن له أى دور يذكر ولم يشارك، لأنه مؤمن بفلسفة طاعة الحاكم واجبة، ولا يجوز الخروج عليه، وكلاهما كانا من المستفيدين، هم اتجهوا لتشكيل أحزاب والخروج إلى النور والعمل بشكل علنى، والقوى الأخرى راحت تواصل احتجاجها، لاستكمال الثورة، مدعومة من الأحزاب العريقة، التى لم تنتبه لما كان يجرى على الساحة من أطروحات و خطابات مشحونة بالعاطفة الدينية وتجلى ذلك أثناء الاستفتاء على التعديلات الدستورية.
المتابع لأحداث مجلس الوزراء، يكتشف أن التيارات الإسلامية وجهت الدعوة للحشد، اعتراضاً على اختيار الجنزورى، وبعد أن دفعت بقوى الثورة فى المواجهة، انصرفوا من الميدان، تاركين الشباب فى مواجهة البلطجية، وأطفال الشوارع، ورحوا يعتلون منصات الإعلام ليوزعوا الاتهامات بأن الجميع فى خانة البلطجية، والغريب فى الأمر هذه التظاهرات قبل أن يجنى ثمارها الإسلاميين وحدهم دون سواهم، فالضغوط التى تمارس على السلطة الحاكمة، تجعل منتهزى الفرص يدخلون فى مساومات من أجل تحقيق المزيد من المكاسب.
فقد كانت البداية فى أحداث محمد محمود ومجلس الوزراء، وهى مظاهرات من أهالى الشهداء والمصابين، مطالبين بالحقوق والتعويضات الملائمة، سرعان ما تهلل لها بعض التيارات، لكن بغرض فرض أطروحات أخرى، ويجرى الحشد، وكأن قوى غامضة تحرض على المواجهات وسكب البنزين على النيران المشتعلة.
التليفزيون المصري يرفض التوبة
«أعطني إعلاما بلا ضمير أعطك شعبا بلا وعي» حكمة يطبقها كل من يملك الحكم وإدارة شئون مصر ويتمناها المنفذون بالتليفزيون المصري تحديدا فمازالت قيادات ماسبيرو تتعنت في مناصرة الثورة المصرية محاولة تلويث سمعة الثوار والنشطاء السياسيين علي شاشات التليفزيون المصري الذي خسر كثيرا في 2011 ليستحق بجدارة الشعار الذي رفعه المتظاهرون «الكذب حصري علي التليفزيون المصري» كأبرز الشعارات التي رفعها ثوار التحرير فجاء مخيبا لآمال الثوار والمصريين.
ولن نعود إلى التغطية السيئة التى قام بها مذيعو التليفزيون المصري طوال أحداث ثورة يناير وتعمدها تشويه الميدان وادعاء حصول من فيه على التمويلات الأجنبية، بل سنكتفي بما يحدث حاليا ومحاولة إجبار المصريين علي كراهية التحرير وشهدائه والتشكيك في كل من فيه حتى وصلت السخرية من بعض النشطاء على الفيس بوك بقوله «يجب على التليفزيون المصرى أن يتبع الدقة ويكتب الشهيد المحتمل كما يكتب المرشح المحتمل للرئاسة».
فبعد نجاح الثورة خلع التليفزيون المصرى عباءة مبارك وارتدى عباءة المجلس العسكرى وأعلن توبته توبة نصوحا، إلا أنه لم يستمر أو يعمل بأصول وقواعد التوبة, حتى أنه ذات مرة غضب مذيع التليفزيون المصرى من رفض ميدان التحرير لاستقبالهم قائلا: «أنا مش عارف همه عايزين إيه بالضبط من التليفزيون المصرى؟، همه كانوا بيقولوا إن ده تليفزيون النظام واعترفنا به، وبخطأ المرحلة اللى فاتت، لكننا أصبحنا دلوقتى تليفزيون الشعب وبنعبر عنه وبنقدم كل الأطياف، مطلوب مننا إيه علشان يقبلونا؟).
لم يصدق تليفزيون الدولة ما يحدث من حوله وعاشت شاشته في واد آخر وواجهته اتهامات بالتضليل مما جعل شباب الثورة يشعر بأنه ليس مع الثورة ولا مع الشعب ويدعم أي نظام فجاءت قيادات ماسبيرو يدها مرتعشة أمام التقلبات التي تحدث في الشارع المصري وأصبحت مترددة في قراراتها.. لا ينكر الكثير محاولاتهم التغيير من النظام لديهم في عدد قليل من القنوات الفضائية إلا أنها شعرت بالحنين الي عصرالديكتاتور الذي يحكم ماسبيرو وأسلوبه في نفاق أي نظام أو حكومة، فالشعب أسقط مبارك من شاشات التليفزيون المصري ليجد المشير بديلا له.
وظهر ذلك في حدوتة نزول المشير بملابس مدنية الي ميدان التحرير ومصافحة الناس كما يفعل نجوم السينما وهم في طريقهم نحو السجادة الحمراء، إن البدلة التي كان يرتديها المشير كانت «بدلة شيك» وبالتالي فإننا علمنا وللمرة الأولي أن الرجل الذي لم نره يوما في غير «الكاكي» رجل شيك وصاحب ذوق عال.. أكثر من هذا لا توجد أي فوائد من تلك الزيارة التي جاءت صدفة ووجدت كاميرا تصورها بالصدفة أيضا ووجدت طريقها سريعا نحو شاشة التليفزيون المصري بالصدفة أيضا وجاء التليفزيون ليلقي أبياتا من الشعر في رصانة المشير وقدرته علي الانضمام الي الصفوف المدنية في سهولة ويسر دون أدني تكليف ويدخل المعلقون ببعض الكلمات المليئة بالمشاعر الجياشة وبأسلوب فج يعرضها التليفزيون المصري الذي بالغ في الزيارة وظل يعرضها ويكرر مشهد المشير وهو يسلم علي المواطنين.
والأكثر سذاجة في تناول الأمر لدي التليفزيون المصري هو ما قاله مدير تحرير الأهرام بخصوص أن البدلة تدل علي أن المشير قائد مدني.
إضافة إلى تعمد التليفزيون لعرض الكثير من المعلومات التى تفتقر الصحة خلال أحداث مجلس الوزراء التي راح ضحيتها 18 شهيدا، والعشرات من الضحايا والذي دأب الإعلام المصري على تشويه صورهم وإلصاق تهم البلطجة بهم، والحادث الأشهر فى التليفزيون المصرى هو ما نقله مذيعو التليفزيون أثناء أحداث ماسبيرو على لسان رشا مجدى بأن هنا شهداء فى صفوف الجيش ونحو 150 مصابا وهو ما تم نفيه بعد ذلك بخلاف التحريض الذى تم ضد المتظاهرين وادعاءات التحريض كانت جاهزة فى توتر المذيعين جعلهم لا يمتلكون أعصابهم مما يجعل التليفزيون المصرى متهما بإهدار دم المصريين وقتلهم وبالفعل تم تحويل القيادات إلى التحقيق لكن المجلس العسكرى يستطيع حماية رجاله بشكل جيد.
وعن وقف الحلقات التليفزيونية حدث ولا حرج فما تكرر مع صفوت حجازى بقطع الحديث معه حدث مع بثينة كامل فى النيل الثقافية, فضلا عن شهود العيان الذين يظهرون فى وقت الحاجة وكثيرا ما يرددون عبارات التخوين والتشويه للثوار مثل وصف المتظاهرين بـ«ناس عايزة تسقط الجيش», ومن الأحداث السيئة أيضا قطع كلمة خالد تليمة عضو ائتلاف شباب الثورة أثناء انسحابه من الحوار الوطنى عندما انتقد المجلس العسكرى كما تطوع التليفزيون بعرض حلقة عن معرفة كيف يتم استخدام الفوتوشوب ضد المجلس العسكرى.
أى ثورى فى العالم عندما تندلع تهدف إلى تغيير كل ما هو سلبى وأثر على المجتمع وأدى إلى انتشار الفساد بشكل ملحوظ والتغيير ليس فى أشخاص بل فى سياسات ونظام شامل تعمل به المؤسسات.. هذا ما قاله سيد أبو العلا عضو اتحاد شباب الثورة مضيفا أن من ضمنها التليفزيون المصرى الذى يعد الآن دولة للعسكر وللفلول وليس لشعب مصر لأنه يهدف إلى تدمير المجتمع وتجهيله بكافة حقوقه ويسعى إلى تدمير وعى المواطن وهو ما جاء علي لسان سيد أبوالعلا عضو اتحاد شباب الثورة.
وقال أبو العلا: إن التليفزيون يحتاج إلى ثورة حتى تعود إلى ملكية الشعب الذى يدفع رواتب العاملين فيه، مضيفا أن الغريب من التليفزيون المصرى تحديدا عن باقى المنابر الإعلامية
أنه اختار الثورة المضادة ليقف بجانبها، فلم يتخذ جانب الثوار أو يتركهم وذلك أضعف الحلول, فهو يسعى جاهدا إلى التشويش على الثوار ودورهم وميدان التحرير وتمييع فكرة التغيير ككل.
وسخر أبوالعلا من دعوة التليفزيون المصرى لدعم الاستقرار المزعوم متسائلا: ما هو الاستقرار من وجه نظر التليفزيون؟ هل ما نعيشه من فقر هو ثمن الاستقرار؟ وأحوال العمال والأزمات الاقتصادية الطاحنة هل تمت للاستقرار بصلة؟ منذ متى كان التليفزيون تابعا للشعب؟ منذ 60 عاما وهو تابع للنظام ولن يتغير إلا عندما تحكمه الثورة وليس هو من يحكمها.
فى اليوم الذى يلقى فيه بيان الثورة من ماسبيرو – وأقصد ثورة التحرير لا الثورة المضادة – سيصبح التليفزيون هو تليفزيون المصريين – وهو ما قاله أبوالعلا مضيفا: أنه حزين للافتقار إلى المهنية به والحرفية الضعيفة، فلو هناك قناة صغيرة بـ4 مذيعين ستكون أفضل من جهاز به 44 ألف موظف ستقوم بشغل أفضل من ذلك وطالب باستقلالية التليفزيون المصري حتي لاتصل تعمل كمؤسسات فرعون الذي ينتظره العاملون ليعبدوه.
وقالت الدكتورة نجوى كامل، أستاذ الإعلام بجامعة القاهرة، إن التليفزيون قام بدور سلبى أثناء الثورة وبعدها فالوضع فى التليفزيون المصرى مذبذب وحاول مذيعوه أن يتخذوا الجانب الحيادى إلا أنه وقع فى فخ منع فقرات حتى يعود بالذاكرة إلى النظام السابق.
وأضافت أنه يعانى أزمة المصداقية حاليا ولابد أن يعى قيادات ماسبيرو أن هناك فرقا بين المذيع والسياسى والفرق أيضا بين إعلان الموقف وتبنى وجهة نظر محددة وهذه أبرز مساوئه, مشيرة إلى غياب المهنية فى العمل لأن الإعلان عليه أن يعرض جميع وجهات النظر للرأى العام ويترك تشكيل وجهة النظر له.
بالتأكيد هنا انحياز للمجلس العسكرى من جانب التليفزيون المصرى وهذا أمر مرفوض لأننا نرفض أن نتخلص من ديكتاتور لنصنع غيره فالواجب ألا أهاجم المجلس ولا أدافع عن الثوار، والعكس فلابد من طرح الإيجابيات والسلبيات على حد السواء واختتمت الدكتورة نجوي حديثها قائلة إن تشويه الثوار والتركيز على نقاط ضعف الثورة خطأ يقضي على التليفزيون والتمجيد المبالغ فيه فى المجلس العسكرى أمر مرفوض.
النيابة العامة.. أحالت القضايا بأدلة مفككة واعتمدت على أصدقاء الضباط فى جمع التحريات
تبقى أحكام البراءة التى حصل عليها الضباط المتهمون بقتل المتظاهرين مؤخراً شاهداً حياً على أن دماء الشهداء معلقة فى رقبة النيابة العامة، فمن يتابع ملف القضايا والتحقيقات يجد أن النيابة تسرعت فى إحالتها للقضاء دون تقديم أدلة كافية على إدانة الضباط، وهو ما جعل القاضى يفاجأ بقضية مفككة ليس بها دليل واحد على إدانة المتهمين، فكانت البراءة الخيار الوحيد وإن كان الأصعب.
والغريب أن الضباط المتهمين بقتل الثوار عادوا لاستلام عملهم على يد الوزير السابق منصور العيسوى وقبل الفصل فى القضية، ومن ثم تدخلوا فى عمل التحريات وتلاعبوا بالأدلة وأخفوا بعض الملفات التى كانت تدينهم وقدموا أدلة مغلوطة تنافى الواقع وهو ما تسبب بشكل كبير حسب تأكيدات الخبراء ومحامى الشهداء فى حصولهم على أحكام البراءة بعدما تغير مسار القضية بشكل كبير.
المستشار أحمد مكى، نائب رئيس محكمة النقض السابق، قال: لا يستطيع أحد أن يقدر ما دار فى ذهن القاضى، لكن الثابت أن الأدلة التى قدمت من النيابة لم تكن كافية على الإطلاق فتحقيقات النيابة العامة قدمت بعد وفاة الشهداء بفترة كبيرة، كما أن التحريات لم تكن كافية على الإطلاق لتؤكد من الفاعل وأثبتت أن الضباط كانوا فى حالة دفاع عن النفس، وهو ما لعب عليه دفاع المتهمين فى قضية ضباط السيدة زينب الذين أكدوا أن الضباط كانوا يدافعون عن القسم ولم يطلقوا النيران إلا بعد الهجوم عليهم.
وأضاف أن كثيرا من القضايا لم يكن فيها شهود إثبات وأهالى الشهداء أنفسهم لا يعرفون مكان الوفاة أو الظروف والملابسات، مضيفا أن النيابة العامة تعجلت فى تقديم القضايا إلى المحاكم تحت ضغط الرأى العام الذى كان يريد أن يرى أحكاما، وفى الوقت نفسه لا توجد دلائل قدمت على ذلك لأن الشرطة كانت خصماً وحكماً فى القضية نفسها بمعنى أن الضباط المتهمين فى القضايا قدم أصدقاؤهم الضباط تحريات وأدلة منقوصة وطمس بعضهم الدلائل والحقائق لإنقاذ القتلة من التهم التى قدمت ضدهم.
وأشار مكى إلى أن هناك قضايا أخرى سيتم الحكم فيها بالبراءة لأن الدفاع لم يبذل الجهد الكافى لتقديم الأدلة وتوقع بعضهم ان يتم الحكم تحت ضغط الرأى العام وهو مالم يحدث لأن القاضى يحكم بناء على أدلة وقرائن وما يستقر فى ضميره ووجدانه، ولم تقدم أدلة كافية على ذلك ولكن من الممكن أن يتم نقض الحكم وعلى الدفاع ان يقدم أدلة أخرى تثبت تورط الضباط فى قتل المتظاهرين.
وأشار محمد زارع محامى أسر الشهداء فى قضايا قتل المتظاهرين إلى أن السلطة الحاكمة قررت ان تضحى بمبارك وبعض الموجودين فى سجن طرة مقابل أن يستمر نظام الحكم الذى يعد الضباط أحد أعمدته الرئيسية والحامى الأساسى له وساعدتهم فى الحصول على احكام البراءة بدليل أنه لم يحل سوى 27 لواء فقط على المعاش من أصل 200 متورطين فى القضايا، كما أن صغار الضباط لم يحاسبوا وتمت ترقية بعضهم حتى أنهم مارسوا أساليب قتل الثوار فى أحداث محمد محمود وأحداث مجلس الوزراء وأطلقوا النار بنفس الكيفية لأنهم لم يحاسبوا على جرائمهم الأولى فشعروا بأنهم فوق القانون.
وقال زارع إن النائب العام ووزير العدل من نظام مبارك ولم يكونوا منحازين إلى الثورة وهو السبب فى احكام البراءة فالنائب العام تسرع فى إحالة القضايا إلى المحاكم دون ان تقدم الأدلة الكافية واشار زارع إلى أن مشاهد القتل والسحل والعذيب التى تحدث الآن للثوار فى الميادين هى أنعكاس لأحكام البراءة فلو كان قد صدر حكم إدانة واحد للضباط لتردد البقية فى اطلاق النار وسحل الثوار بعد ذلك ولكنهم يشعرون أنهم يمتلكون قوة ستحميهم فى الوقت المناسب من المساءلة.
وقال «زارع» إن طول فترة محاكمة الضباط جعلهم ينسون القضية ولا يهتمون كثيرا بالأحكام ولا توجد جدية من البعض فى متابعة القضايا والدليل أن جلسات المحاكمة للضباط الآن لم تعد تشهد إقبالا كبيرا وهو ما يدل على نجاح مخطط العسكر فى تنفيذ مخطط نسيان القضايا.
وأوضح ان وزارة الداخلية تملك الأدلة الكاملة لإدانة الضباط وتتحفظ عليها لأنها قررت أن توفر الحماية لهم حتى لا تنهار المنظومة التى تدار بها الوزارة منذ نظام مبارك فهى لا تريد ان تتغير وعلى الوزير الجديد أن يقدم ما لديه من أدلة حتى يثبت انه بالفعل يفتح صفحة جديدة مع الشارع.
وقال المحامى منتصر الزيات إن إخلاء سبيل الضباط المتهمين بقتل الثوار وإعادتهم لأماكن عملهم كان خطأ كبيراً لأنهم بسطوا سلطاتهم على اماكن انعقاد الجلسات وفرضوا تعليمات أمنية أدت لعدم تمكين أسر الشهداء من حضور جلسات الحكم والمتبع دائما فى مثل تلك الإجراءات هو إيقاف الضباط عن العمل ومنحهم نصف رواتبهم طيلة المحاكمة وما حدث مخالفة واضحة للقانون وهو ما أعطى مؤشرات نالت من الثقة فى المحكمة ولكن القاضى يحكم بما يراه امامه وأقدر احكام البراءة التى صدرت لأن القاضى لا يحكم إلا بالدليل.
واكد الدكتور نجاتى سند أستاذ القانون الجنائى ان كل قضايا المتهم فيها الضباط المتهمون بقتل الثوار أحالتها النيابة العامة إرضاء للرأى العام فقط دون أن تقدم الأدلة الجازمة القاطعة على ارتكاب تلك الجرائم، والقاضى لا يمنح البراءة فى تلك جرائم القتل إلا اذا وجد لديه أدلة جازمة وقاطعة على البراءة ومحكمة السيدة برأت الضباط لأنها اكتشفت أن اثنين منهم لم يتواجدا فى مكان ارتكاب الجريمة والباقى أثبت الدفاع أنهم فى حالة دفاع عن النفس.
وأشار إلى ان تحقيقات النيابة لم تأخذ الوقت الكافى وكان عليها أن تستمر فى متابعة التحقيقات وتقديم أدلة أخرى أو تحفظ القضية اذا لم تصل إلى أدلة جديدة فعندما احالت تلك القضايا إلى المحكمة كانت تعلم ان حكماً بالبراءة سيصدر وكان عليها الانتظار حتى لا تضع المحاكم والقضاة فى حرج امام الرأى العام لأن القاضى لا يخضع لضغوط الشارع ويحكم بالأدلة والبراهين.
وقال ياسين تاج الدين المحامى وعضو الهيئة العليا لحزب الوفد: أثق فى احكام القضاء مهما اعترض الشارع عليها فكل قضية لها ظروفها الخاصة ولا يمكن للقاضى ان يحكم بالبراءة دون أن تكون لديه الأدلة بذلك وفشل الدفاع والنيابة العامة فى إثبات إدانة الضباط.
وأشار إلى أن المحكمة رأت أن الضباط كانوا فى حالة دفاع عن النفس بالنسبة لضباط السيدة زينب وتم الهجوم عليهم داخل قسم الشرطة وظروف الدعوى كانت واضحة وأحالتها النيابة العامة إلى المحاكم بشكل سريع لارضاء الرأى العام وعلى النيابة العامة ان تطعن فى أحكام البراءة اذا كان لديها أدلة كافية على ذلك.
وأكد محمد مصطفى السودانى محامى أسر الشهداء والمدعى بالحق المدنى أن جميع الأدلة التى قدمت فى جميع قضايا قتل المتظاهرين ترجح البراءة لأن النيابة العامة قدمت أدلة ضعيفة واعتمدت على رجال الشرطة فى جمع الأدلة والتحريات وهى تعلن انها أدلة غير كافية وكان عليها ان تجمع الأدلة بنفسها وان تستبعد رجال الشرطة لأنه لا يصح ان يكونوا خصماً وحكماً فى الوقت نفسه.
كبار المحامين.. تفرغوا للدفاع عن رجال مبارك وتركوا قضايا قتل الثوار للهواة
الدفاع عن أسر الشهداء فرض عين علي كل محام، لكن الكثير من هؤلاء المحامين وخاصة الكبار منهم تخاذلوا وتراجعوا عن القيام بدورهم الوطنى وواجبهم الأخلاقي الذي تربوا عليه في نقابة الدفاع عن الحريات.
المحامون في مصر عقب إحالة الرئيس السابق حسنى مبارك ونجليه في قضية قتل المتظاهرين والثوار في أحداث 25 يناير، انقسموا ما بين مدافع عن حقوق أهالي الشهداء ومصابي الثورة، وبين قبول الدفاع عن رموز النظام السابق وبين فريق ثالث رفض الانضمام لهيئة الدفاع عن الشهداء وفضل قيادة الدفاع عن رموز نظام مبارك من تحت الستار.
رجائي عطية وعصام سلطان وعصام الاسلامبولي ومحمد سليم العوا وسعد عبود عضو مجلس الشعب وبهاء أبو شقة ومحمد كامل وعلاء عبدالمنعم ويحيى الجمل وعبد الأحد جمال الدين والدكتور حسنين عبيد والمستشار مرسى الشيخ والدكتور أحمد كمال أبو المجد، ومختار نوح أمين و منتصر الزيات ومحمد نور فرحات وناصر أمين وحافظ أبو سعدة نائب.. هؤلاء من أبرز شيوخ المحاماة ورموز المهنة ممن دافعوا كثيرا عن حقوق المظلومين وشاركوا في فعاليات وطنية وكثير منهم له مواقفه المعارضة من النظام السابق، إلا أنهم في قضايا قتلة الشهداء تحديدا غابوا عن المشهد تماما، وتركوا المهمة لشباب المحامين ممن تنقصهم الخبرة ويسعون وراء الشهرة، وكانت النتيجة الطبيعية براءة المتهمين بقتل الثوار.
رجائي عطية الذي يعد احد أبرز شيوخ المحاماة في مصر يؤكد أن له موقفا أدبيا من تلك القضية، خاصة أنه كان موكلا عن نجلي الرئيس السابق في قضية سب وقذف من إحدى الصحف العربية والتى انتهت بالتصالح بعد صدور حكم بإدانه الصحيفة، بالإضافة إلي العلاقة الوطيدة بينه وبين مبارك وزوجته، وكان من المفترض أن يكون عطية علي رأس فريق الدفاع عن الرئيس المخلوع إلا أنه تراجع في اللحظات الأخيرة، وعلي الرغم من رفضه الانضمام الي هيئة الدفاع عن أسر الشهداء ومصابي الثورة فإنه قبل الدفاع عن إبراهيم كامل في قضية موقعة الجمل التي تم إخلاء سبيله منها بكفالة 200 ألف جنيه علي ذمة القضية.
أما المستشار بهاء الدين أبو شقة مساعد رئيس الوفد فإنه اعتذر عن أن يكون ضمن هيئة الدفاع عن الشهداء بعدما ترددت أنباء عن أن عددا كبيرا من رموز النظام السابق عرضوا عليه أن يتولي الدفاع عنهم وعلي رأسهم مبارك وهو ما رفضه أبوشقة، بينما يتولي ابنه محمد أبو شقة الدفاع عن أحمد المغربي وزير الإسكان السابق في قضية غبور، كما أن الدكتور محمد كامل يترافع في قضية شركة بالم هيلز المتهم فيها ياسين منصور وأحمد المغربي.
في حين أن عصام سلطان نائب رئيس حزب الوسط فضل الابتعاد عن القضية رغم المطالبات العديدة له بأن يكون ضمن هيئة الدفاع إلا أن عددا من المحامين برروا غياب سلطان بأن هناك موقفا بينه وبين سامح عاشور نقيب المحامين ورئيس هيئة الدفاع عن أهالي الشهداء، ونفس الأمر مع عصام الاسلامبولي المحامى الشهير وصاحب حكم حل مجالس النقابات المهنية مطلع العام الماضي والذي قرر الابتعاد بسبب عاشور ايضا .
وعلي الرغم من الموقف السياسي شديد العداء الذي يحمله الدكتور محمد سليم العوا المرشح المحتمل لرئاسة الجمهورية، للنظام السابق فإنه لم يكن ضمن الدفاع عن الشهداء وفضل قبول وكالة الدفاع عن رجل الأعمال منير غبور أحد رجال النظام السابق والمتهم بالاستيلاء علي المال العام مع أحمد المغربي وزير الإسكان السابق، أما الدكتور حسنين عبيد أحد شيوخ المحامين فيتولي الدفاع عن وزير السياحة الأسبق زهير جرانة والمهندس عمرو عسل رئيس هيئة التنمية الصناعية، بالإضافة الي قضية تصدير الغاز لإسرائيل.
كل هؤلاء ومن تولي الدفاع عن مبارك تناسوا سقطة إبراهيم الهلباوى أول نقيب للمحامين عندما تم اختياره ليمثل الادعاء فى قضية دنشواى1906 ضد الانجليز وقدم أدلة الاتهام ببراعة رداً على المحامين حتى حصل المصريون على أحكام الإعدام، وكانت النتيجة أنه حصل على حكم بالإعدام السياسي كمحام.
سامح عاشور نقيب المحامين ورئيس هيئة الدفاع عن أسر الشهداء والذي رفض عددا كبيرا من التوكيلات للدفاع عن رموز النظام السابق فانه يرى انه ليس من المعقول أن يناضل شخص ضد عصر بكل ما فيه، ثم يتحول بعد ذلك إلى محام يدافع عن رموز هذا العصر، مضيفا أنه لا بد للمحامى من حد أدنى من القناعة بصحة موقف موكله ليستطيع عندها أن يبرئه أو أن يخفف عنه الجزاء، فهذه هى قيم المحاماة الصحيحة، وما عدا ذلك ينافى صحيح المهنة.
وأضاف: ليست هناك أسباب منطقية تمنع اي محامى من الدفاع عن الشهداء، ومن غير المقبول أن يغيب شيوخ المحاماة ورموز المهنة ومن عارض النظام السابق عن القضية، فالدفاع عن أسر الشهداء فرض عين علي كل محامى، وهو ما قاله محمد الدماطى وكيل نقابة المحامين وعضو هيئة الدفاع عن أسر الشهداء، مضيفا كان متعينا علي اي محام رفض الانضمام للدفاع عن الشهداء او قبل الانضمام الي دفاع مبارك ان ينحاز الي الشعب اولا وأن ينحاز الي الموقف الوطنى الذي تقضيه القضية.
وأضاف هناك من يعشق الذهب وهناك من يجرى وراء الحرية فإن الذهب مآله الي الطمس والزوال ولن يبقي سوى الموقف الذي يسجله التاريخ، وردا علي أن سوء التنظيم أبعد عددا كبيرا منهم عن الاشتراك في هيئة الدفاع عن مبارك قال: إن سوء التنظيم استمر لجلسه او جلستين وانتهى، موضحا أن هيئة الدفاع رتبت اوارقها وعقدت اجتماعات لتزيل ذلك السبب.
واشار الي ان الهيئة قررت تقسيم أعضائها ما بين المرافعات في الشق العام بسرد تاريخ المتهمين في الاجرام وهل المتهم مؤهل لارتكاب جرائم اما لا مضيفا: فطبقا للبلاغات المقدمة للنائب العام فمبارك احد المتهمين يكون شريكا في اغتيال السادات وكذلك تحطم الطائرة التى كان يقلها رئيس الأركان أحمد بدوى و20 من كفاءات القوات المسلحة في 1987, مرورا بجرائم اخرى كغرق العبارة واحتراق وتصادم القطارات, وكذلك مرافعات في الشق الخاص والتى يكون فيها مهمة إثبات الفعل الاجرامى والضرر الواقع منه والعلاقة بينهما.