من الطبيعى أن يعقب ثورة أى مجتمع مفاوضات ومكاسب واضطرابات، ولكن الخطر أن تستمر الاضطرابات والتصادمات أكثر مما ينبغى، وهنا يأتى التباين فى الأفكار والتوجهات، وتنتج الأزمات التى تعصف بمكاسب الثورة وتهز أركان المجتمع، وتقوده إلى طريق مسدود يصعب معه تحقيق الهدوء والاستقرار والتقدم والرخاء وباعتبارهم أهم أمانى وتطلعات البشرية.
إن نهضة أى أمة بعد ثورتها هى أهم منجزات الثورة، ولما كانت القوانين الخاطئة والممارسات الفاضحة التى كانت تقوم بها وزارة الداخلية هى أحد الأسباب الرئيسية لإطلاق ثورة 25 يناير، فإن الشرخ الذى نتج بين الشعب وجهاز الشرطة لن يلتئم إلا من خلال صفحة جديدة قائمة على الحب والاحترام المتبادل والعدالة وسيادة القانون.
لكن القانون وحده لن يكفى لضبط المجتمع، ومالم يكن كل فرد من أفراد المجتمع رقيبا على نفسه، فإن لم نربى أبناءنا على معرفة الصواب والخطأ والعمل من منطلق الوازع والضمير وليس قوة القانون، وأصبح المال بالنسبة للمعلم أو المحامى مثلا هو ما يعنيهم أكثر من مهمتهم الأساسية، توصيل العالم بإخلاص وإحقاق الحق، وصار جميع المال هو ما يعنى بناة ومصممى العقارات “مهندس، مقاول، عامل بناء، إلخ”أكثر من خوفهم على حياة ومصير سكان تلك المنشآت، حتما لن يستقيم المجتمع.
وأن إنجازات القضاة لمصلحة طائفة على حساب أخرى، وصار التشكيك والتخوين وسوء النوايا مقدما على المصداقية وانتظار التفعل والنتيجة، وإن اختلت منظومة القيوم والأخلاق، وصارت الأولوية عند كل فرد هى “تحقيق أهدافه الشخصية دون النظر للصالح العام” هنا يكمن الخطر.
أثبت لنا الموقع العلمى على مر التاريخ أن القانون والدستور وحدهما غير قادرين على تحقيق تلك المثل العليا، بل إنهما فى بعض الأحيان كانا سببا رئيسيا فى تصاعد حدة الظلم والفوضى والاستغلال، خاصة حين يتعلق الأمر بسلطة مستبدة تصنف القوانين وفق اعتبارات خاصة ومصالح شخصية خاضعة لظروف الزمان والمكان دون النظر إلى شىء آخر.
لا يمكن أن نتصور حياة دون قوانين عادلة تنظمها وتبدى للناس حقوقهم وواجباتهم فيما بينهم وبين السلطة والمنظمة لأمور الدولة، ولا تعنى الحرية ممارسة السلوك الحر فى فضاء غير محدد المعالم، أو بما قد يؤذى الآخرين ويؤثر على حرياتهم، وعلينا أن نتكاتف كلنا من أجل مصر لكى نخرج جميعا من عنق الزجاجة، ونبنى مستقبل مصر.