أصبحت السياسة وأسلوب إدارة البلاد فى “مصر” وكأن لهم آليات مقدسة لا تتغير، رغم ما بهم من أخطاء يعرفها كل المسئولين. فالتغيير فى “مصر” قد يحدث فقط للأسوأ، أما إلى الأحسن شئ نادر,,,
كبار رجال الدولة فى غيبوبة تامة، ربما يفيقون منها بعد فوات الآوان.
الأسبوع الماضى، وفى مكتبة الإسكندرية، وفى حفل افتتاح جمعية عصر العلم، موضوع البحث العلمى يتكرر، وما زلنا نشكو أزمة ونحن فى عام 2010م، ونسبة الإنفاق على البحث العلمى لم تصل إلى الآن إلى نصف %؛ رغم أن “مصر” بها ما يزيد على (129) ألفًا حاصلين على دكتوراة- وهى نسبة تفوق ما فى “الولايات المتحدة الأمريكية”، لكن، للأسف شهادات ودرجات علمية لا تجد أدنى إهتمام، فأصبحت أرقام تفتقد القيمة والمضمون.
تنبهت لأزمة البحث العلمى معظم الدول، فـ”الهند”، و”باكستان”، و”كوريا الجنوبية”، و”إيران”، و”ماليزيا” شهود إثبات على صحة ما نقول. ونحن فى “مصر” متفرجين، أو مشجعين لدول لا نقل عنها فى أى شئ، بل بالعكس نملك نحن ما ليس عندهم، لكننا نفتقد البوصلة والإستراتيجية التى نسير بها إلى الأمام.
جهاز إدارى تقليدى يتسم بالمركزية والجمود، والميزانية المخصصة للبحث العلمى فى “مصر” تكاد أن تكون شبه معدومة..فكيف يكون هناك قبول لذوي المهارات والقدرات على مجال البحث العلمى، والأجواء المصرية لا تشكّل مناخًا مهيئًا يحتوى النابغين وذوى الخبرات والمعارف الداخلية.
يتركنا علماؤنا ويرحلون إلى الخارج؛ لأن غيرنا من المجتمعات يدرك قيمة وأهمية البحث العلمى، ويؤمن بأن النهضة لن تتحقق إلا من خلاله؛ فيوفر للباحثين كل الإمكانات اللازمة، ويكون هو أول المستفيدين من جدوى بحوثهم وإبداعاتهم فى كل المجالات. كما أن معظم الباحثين فى “مصر” من أسر متواضعة لا يملك كثير منهم أن ينفق على علمه وبحثه، فكيف نجعله هو الراعى الأول والأخير لبحثه؟!! فضلاً عن الوساطة والمحسوبية التى يرتفع بها الكثير على حساب غيرهم فى المناصب والدرجات العلمية، فتحول مجتمعنا إلى أشبه ما يكون بمجتمع عائلي لا تهمه المصلحة العامة بقدر ما يعنيه خدمة الحاشية والمقربين وأصحاب النفوذ. ناهيك عن الباحث ذات الإتجاه الفكرى المعارض..فلن يتم السماح له بالظهور مهما فعل؛ فيموت بحثه، ومعه جهده وأفكاره، وتضيع درجاته العلمية.
لكننى أرى أن المشكلة كبيرة ومتعددة الجوانب، وتحتاج منا إلى وقفة ودراسة وإتخاذ خطوات..وعلى حكومتنا أن تهتم بميزانية البحث العلمى وتجعل لها قدرًا مناسبًا حين يتم إعداد الموازنات السنوية. ولا تجعل الميزانية قاصرة فقط على الإنفاق العسكرى، والتسليح، والصحة، والتعليم, وأن يصدر تشريع يُلزم شركات القطاع الخاص، والعاملين بالتجارة داخليًا وخارجيًا بدفع رسوم- ولو جنيهات معدودة- تحت بند “طابع بحث علمي” تُخصّص لدعم البحث والإبتكار، وهو الأمرالذى سوف تعود فوائده بعد ذلك على الجميع.
ولابد من استقلال الجامعات والمؤسسات البحثية عن سيطرة الحزب الحاكم، وتركها حرة فى رسم سياساتها، وتعيين من تشاء فى هيكلها الوظيفى دون تدخل.
ولا غنى عن رعاية الموهوبين، وذوى القدرات، وتكريم الباحثين من الكفاءات من قبل الدولة ومنظمات المجتمع المدني. وبشكل دوري ومستمر.
ولقد تعجبت حين سمعت أن ما يحصل عليه معيد الجامعة، جنيهات لا تكفيه يومًا ليصرف على بحثه، تُصرف له تحت بند “بدل بحث علمى”!!!
لا شئ يُقال بعد ذلك؛ فالمجتمعات تتغير من حولنا، و”مصر” محلك سر، ونزيف الطيور المهاجرة مستمر، وعلى الحكومة أن تتحرك.