في آونة تحتاج فيها مصر أشد الاحتياج لعقول تفكر، وأيدي تبني وتعمر، ونفوس تخلص وتضحي، وجب على أبنائها أن يكونوا على قدر المسئولية في حمايتها، وتحمل الصعاب مهما كلفتهم من أجل رفعتها وعزتها.
خيمت علينا ظلال ثورة الخامس والعشرين من يناير، بآمال وآفاق ورؤى جديدة، ونسائم تغيير وتطوير ومستقبل أفضل، استبشرت به النفوس، وارتاحت إليه الجوارح والقلوب، بتطلعات كبرى تحمل في طياتها الغيبية الخير لمصر وأبنائها.
وأهم من يظن أنه من الممكن أن نحصد دون أن نزرع. ومخطئ من ينتظر ثمرة طيبة دون أن يمهد الأرض لها لكي تنبت، وبنفس الدرب ترتقي الأوطان، طالما أننا نقطع طريقنا للقضاء على الفساد ومحاسبة الفاسدين، ورد حقوق المصريين.
لم تكن الإرادة الإلهية عاجزة على أن تخلق السموات والأرض في أقل من الثانية، لكنها استغرقت ستة أيام ليتعلم الناس فضيلة الصبر، ويدركون أن للعالم الواسع سننًا كونية فى غاية من الدقة والعظمة والتنظيم.
وإننا ونحن فى أيدي جيشنا الأمينة، والتي نفخر بها وبوطنيتها وحبها لهذا الشعب، يستوجب الأمر أن نعطى لهم الفرصة ليعيدوا إستقرار البلاد، ويحققوا الانتقال السلمي الآمن للسلطة، دون أن تتدهور أحوال مصر أكثر مما وصلت إليه.
نعلم أن هناك مطالب واحتجاجات مشروعة، وأن هناك فئات كثيرة مظلومة، لكن المسئولية الآن تقتضى الصبر الجميل بعض الشيء، لكي يتمكن القائمون على أمر هذا البلد من المضى به إلى الأمام، فى ظل اقتصاد تراجع وتدهور، ووزارات وهيئات غير مستقرة وغالبيتها بحاجة الآن لتعاد هيكلتها ومنظومتها من جديد.
إن مكاسب الثورة تستحق أن نحافظ عليها، ولن تتحقق النهضة والتنمية والرفاهية بين يوم وليلة، ولا يملك الجيش العصي السحرية ليقضي في أيام على مشكلات وفساد تراكم منذ ثلاثين عامًا، وإن مصر أمانة فى يد كل مصري. تستحق أن يضحي من أجلها، وأن يؤجل قليلاً بعض مطالبه المشروعة والتي لن تضيع، حتى تنهض بلادنا من جديد.
أصبحنا وكأننا نقف على شاطئ واحد ننتظر قدوم سفينة واحدة لنركب فيها معًا، وكل منا معه أمتعته ولوازمه، وإن لم ندرك أن علينا أن نترك بعض أمتعتنا نظرًا لأن السفينة مقيدة بحمولة ما لغرقت بنا جميعًا، لكن إن تفهمنا ذلك وتركنا بعض الأمتعة على الشاطئ، حتمًا سوف نصل معًا، ومؤكد أن السفينة ستعود مرة أخرى لتأخذ لنا ما تركناه.