كتب: محمد شعبان
لم يمر مشهد تقديم اللواء عمر سليمان أوراق ترشحه لرئاسة الجمهورية مرور الكرام، فمنذ تلك اللحظة والخريطة السياسية مرتبكة وتعانى عدم وضوح الرؤية،
فالقوى المدنية صعدت من هجومها ضد الجنرال السابق، والإسلاميون الذين يملكون الأغلبية البرلمانية كان لهم رأى مختلف، فلجأوا إلى حيلة قد تقلب موازين انتخابات الرئاسة رأساً على عقب وتعيد الأمور إلى المربع صفر مرة أخرى، بطرحهم مشروع قانون العزل السياسى لمنع سليمان وشفيق من الترشح لانتخابات الرئاسة.
الأزمة أن مشروع القانون الذى يرعاه حزبا الحرية والعدالة والنور، حلقة من حلقات الصراع بين جماعة الإخوان والمجلس العسكرى، حيث دخل الطرفان فى حرب باردة للسيطرة على الجزء الأكبر من السلطة، وكانت البداية عندما لم يتوصل الإخوان لصيغة تفاهم مع حكومة الجنزورى أعلنوا الحرب عليها وشن نواب الجماعة هجوماً حاداً عليها وبدأوا يفكرون فى سحب الثقة منها، لكن المجلس العسكرى لم يتحمل هذه الغطرسة وحسم الأمور ومنح شارة خضراء لإغلاق القضية.
ودفع العسكر بعمر سليمان إلى سباق الرئاسة فى اللحظات الأخيرة، واستغل حالة الهجوم غير المسبوقة على الجماعة وتراجع شعبيتها فى الشارع ظناً منه أن المناخ يقبل بالجنرال العجوز خوفاً من شبح الدولة الدينية، لكن الإخوان لم يقفوا مكتوفى الأيدى أمام تلك الخطوة واستغلوا مشروع القانون الذى تقدم به عصام سلطان وتبنوه وشرعوا فى مناقشته باللجنة التشريعية التى وافقت عليه، وبدأ النواب في الإعداد للقانون جيداً ليواجهوا به ترشح سليمان، لكن المجلس العسكرى بدوره لوح بورقة عدم قانونية ترشيح خيرت الشاطر للرد على مشروع القانون فرد الإخوان بترشيح محمد مرسى احتياطياً تحسباً لاستبعاد الشاطر، لكن الأزمة الحقيقية فى القانون الذى يناقشه البرلمان الآن، أن أساتذة القانون الدستورى أكدوا عدم دستوريته ومخالفته للقواعد الدستورية وبالتالى فإن احتمالات صدور حكم من الدستورية العليا بعدم دستوريته كبيرة جداً، وفى المقابل هناك إصرار على خروج مشروع القانون الى النور قبل «26 ابريل» القادم وهو موعد إعلان القائمة النهائية للمرشحين فى الانتخابات لأن القانون لو صدر بعدها سيصبح بلا قيمة.
الأخطر أنه لو صدر القانون بوضعيته الحالية وصدق عليه المجلس العسكرى وخرج الى النور وتم استبعاد عمر سليمان وأحمد شفيق باعتبارهما الوحيدين اللذين تنطبق عليهما مواده فمن الممكن الحكم بعدم الدستورية بعد أن يتم انتخاب الرئيس، وبالتالى تلغى نتائج الانتخابات وتدخل مصر فى دوامة أخرى من الجدل.
الغريب أن الإخوان كان بمقدورهم مواجهة ترشيح عمر سليمان بقانون الغدر الموجود فعلاً وغير المطعون عليه، والذى من الممكن ان يقف عائقاً أمام ترشيح سليمان لكن الجماعة اختارت سياسة فرض العضلات واستخدام الأغلبية التى حصلوا عليها لمنع ترشيح عمر سليمان لأن ذلك يصب فى النهاية فى صالح خيرت الشاطر.
المستشار بهاء أبوشقة، نائب رئيس حزب الوفد، قال ان القواعد الدستورية المعروفة تنص على انه لا تسن قوانين لحالات فردية أو أشخاص لأن القانون من المفترض ان يضع قاعدة عامة مجردة تطبق على الجميع، كما أن الأصل دائماً فى القانون ان يكون فورى التطبيق أى أن القوانين تطبق على الأوضاع اللاحقة لصدوره ولا تسرى على الأوضاع السابقة، وبالتالى فإن قانون العزل السياسي من الممكن ان يواجه شبهة عدم الدستورية، كما ان تطبيقه بأثر رجعى على وضع قانونى سابق مستحيل والحيل القانونية التى يحاول أن يوجدها مجلس الشعب لن تفلح فى ضبط إيقاعه.
وأشار أبوشقة الى ان المادة «19» من الإعلان الدستورى والمادة «66» من دستور 1971 تمنع تطبيق القانون بالشكل الموجود عليه فى البرلمان الآن فمبدأ الحرمان لعمر سليمان وشفيق لن يأتى إلا من خلال ثبوت جريمة عليهما، ولا جريمة إلا بنص قانون ولا عقوبة الا على الأفعال اللاحقة وقانون العزل السياسى من المفترض ان يجد عقوبة ليعزل سياسياً وهو ما لم يتوفر فى الوضع الحالى.
وأكد نائب رئيس الوفد ان قانون الغدر الموجود حالياً من الممكن ان يحل محل قانون العزل السياسى وبه من النصوص القانونية ما يسمح بتضييق الترشيح على عمر سليمان وأحمد شفيق والقانون موجود وصالح للتطبيق، ففى أيام حكومة عصام شرف أخذوا رأيى فى قانون الغدر وقلت انه سار ويمنع شبهة عدم الدستورية.
وقال أبوشقة ان مجلس الشعب عليه ألا يتسرع فى إصدار القانون وأن يعرضه على المحكمة الدستورية العليا حتى يمكن تحصينه دستورياً، كما ان القانون نفسه لابد ان يصدق عليه المجلس العسكرى واذا لم يصدق يصبح كأن لم يكن، واذا لم يفعل نواب الشعب ذلك ستحكم المحكمة الدستورية بعدم دستوريته والأفضل ان نترك الشعب يقول كلمته كما فعلها من قبل فى الانتخابات البرلمانية وعزل الفلول دون قانون، فوعى الشعب المصرى أفضل من أى قانون.
وأكد المستشار فتحى رجب، وكيل مجلس الشورى السابق، أن قانون العزل لا يمكن تطبيقه بأثر رجعى، طالما ان باب الترشح أغلق وقدمت الأوراق وتم قبولها، فالقانون نفسه غير دستورى وتم وضعه لحرمان شخص معين لصالح مرشح الأغلبية، لكن المنافسة الثورية من الممكن ان تعالج القصور الموجودة فى القانون والطريق مفتوح أمام بقية المنافسين لإظهار مساوئ مرشحى الفلول.
وقال ان القانون نوع من الاستعراض من جماعة الإخوان ضد المجلس العسكرى، كما أنها تريد إثبات وجودها فى الشارع وانها مازالت تمارس دورها السياسى وقادرة على تحقيق مطالب الشارع، لكن ما حدث سيفقدها أرضية كبيرة فى الشارع خاصة اذا تم الحكم بعدم دستورية القانون الذى يمكن استبداله بقانون الغدر الموجود حالياً وغير المطعون عليه، محذراً من أن القانون يمكن ان يهدد الانتخابات وتحكم الدستورية العليا بإعادتها مرة أخرى.
فيما أوضح الدكتور الشافعى بشير أستاذ القانون الدستورى أن قانون العزل السياسى كان يجب أن يصدر فى وقت مبكر قبل ان نصل الى المشهد العبثى الذى نعيش فيه حالياً، فأقطاب النظام السابق على قوائم المرشحين فى الانتخابات دون أن يكون هناك أى رادع لهم وكأن شهداء الثورة قدموا حياتهم ضحية الفلول وكأن دماءهم قدمت وجبة رخيصة مقابل استمرار النظام السابق.
وأضاف أن أمام المشروع «14» يوماً فقط ليرى النور وأفضل وقت لصدوره فى هذا الوقت، ولنترك للمحكمة الدستورية القول الفصل فى المشروع وهناك اتجاه قوى لإقراره سريعاً، لكن لن يستطيع المجلس العسكرى الوقوف فى وجه القانون وعدم التصديق عليه لأنه فى موقف حرج وعدم تأييد المجلس العسكرى للقانون يعنى أن الثورة التى كانت ستنفجر فى وجه عمر سليمان ستقف أمام العسكرى.
الدكتور حمدى حسن، المتحدث الإعلامى لحزب الحرية والعدالة، أكد بدوره أن المجلس العسكرى ملتزم بالتصديق على القانون فى حالة اقراره من البرلمان حتى لا يدخل فى صدام مع الشعب، لكن المناقشات مستمرة حتى نحصن القانون من عدم الدستورية، وفلسفة القانون أنه يجب تطبيقه قبل «26 ابريل» الحالى وهو الموعد الرسمى لإعلان القائمة النهائية للمرشحين وبعد تلك الفترة لا فائدة من إصدار القانون.
وأضاف ان المجلس العسكرى يدعم عمر سليمان ومشهد حماية الشرطة العسكرية له عند تقديمه الأوراق يدل على ذلك، مشدداً على ان الحديث عن وقوف المجلس على الحياد من جميع الأطراف خطأ، فهو أثناء موقعة الجمل كان يقف على الحياد أيضاً فى وقت كان عليه أن يحمى الثوار.
وقال محمد عصمت السادات رئيس لجنة حقوق الإنسان بمجلس الشعب، ان قانون العزل السياسى به شبهة عدم دستورية، والمسألة أننا دخلنا فى نفق مظلم، لكن الحديث عن إبعاد مرشحين بعينهم لصالح مرشح الأغلبية غير جيد، فأنا مع استبعاد أى شخص بحكم محكمة ولا يصح بعد غلق باب الترشح أن تقرر الأغلبية إبعاد مرشح لصالح المرشح الخاص بها، وهو حق يراد به باطل فالسيادة للشعب والاختيار للشعب.
وأكد السادات ان هناك عدداً كبيراً من نواب الحرية والعدالة غير متحمسين للمشروع، لكنهم لا يريدون ان يظهروا فى موقف وكأنهم ضد الثورة، فنحن لا نريد استثناءات وعلينا تطبيق دولة القانون والعدل.