مر عام ولا تزال الثورة تائهة ، رغم أنها ثورة شعب بأكمله هب فقضى على نظام ديكتاتورى فاسد فى ثورة بيضاء نقية ، رويت بدماء خيرة أبناء مصر، ولا تزال تروى بمزيد من الدماء وتحبو فى طريقها الملئ بالعثرات فى سبيل تحقيق أهدافها ومساعيها.
إحتفلنا معاً فى مثل هذا اليوم بسقوط نظام مبارك وتطلعنا جميعا لمستقبل أفضل ، ومضينا يسوقنا الأمل أن يأتى هذا اليوم علينا مرة ثانية ومصر فى أبهى صورها ،، وتبدل الحلم الجميل بكابوس بشع ، لنجد أنفسنا الآن أمام فوضى ومؤامرات وإضطرابات ودعوات لعصيان مدنى فى يوم كان من المفترض أن يكون عيدا لمصر والمصريين.
ولا أدرى هل يتحمل الوضع الحالى عصياناً مدنياً؟ آلا يكفى ما نحن فيه من عصيان فالغالبية العظمى من الشعب تعيش حالة العصيان المدنى الغير مباشر منذ تنحى الرئيس السابق بالإضرابات والإعتصامات والإحتجاجات مضافاً إليها الإنفلات الأمنى والبلطجة والفوضى ، وعجلة الإنتاج الواقفة أصلاً على مدار العام الماضى أضف إليها ما تشاء من مآسى وكوارث يومية. وإلى من سيتم توجيهه ؟ إلى المجلس العسكرى لنريحه أكثر ويستجم إلى أن يفكر بشأنه ويتخذ قرار، أم إلى مؤسسات الدولة المنهارة التى لم يتشكل فيها سوى مولود شرعى وحيد وهو ” برلمان الثورة ” أم ضد القوانين التى سقطت وغيرها الغير مفعلة فى شتى ربوع مصر فى ظل ما نمر به من أزمات وتدهور فى مختلف مجالات الحياة.
لقد ضيعنا الثورة فى غياهب الفوضى والتخبط ، وتبخرت نسائم الحرية ، وتناثرت أشلاء الديمقراطية ما بين فئران خرجت من جحورها لتلتئم بشراهة كل ما ضحى الشعب من أجله ، وآخرون من السياسيين والمثقفين والمفكرين وغيرهم ممن يفترض أنهم قادة ورموز إنشغلوا للآسف بالبحث عن موقف وتحقيق الشهرة ولو على حساب المبادئ والقيم النبيلة وتغيرت جلودهم فأجادوا أدوارهم وسايروا الشارع من أجل السلطة لا من أجل مصر.
تصاعدت وتيرت الأزمات السياسية والإجتماعية والأوضاع الإقتصادية ،وبهذا الشكل للآسف نتجه جميعاً إلى نفق مظلم ، تركنا أولوياتنا وتفرغنا للتغنى بالثورة ، وإنكسر حاجز الخوف فأصبح الكل يستسهل طريق التهور ، وصارفرض الرأى والمطلب شعاراً والتطاول رمزاً ، ولا أحد يبكى هيبة الدولة التى بضياعها سوف تأكلنا نيران الفوضى داخلياً وخارجياً.
حققنا المستحيل وقدمنا مبارك ونجليه ونظامه للمحاكمة ، ولنترك القضاء يقول كلمته دون تخوين أو تشكيك ، ولنبدأ العمل قبل أن تغرق بنا مصر، ولندع حرب الشعارات ونتفرغ لساحة البناء والتعمير والانشاءات ، ولا ننشغل بتفاهات لا ناقة لنا فيها ولا جمل.
مضى عام وأصبحنا على المحك فإما نهضة وإما إنتكاسة ، وإما فرحة بالثورة وثمارها الحلوة وإما ندم على ضياعها وجنى ثمارها المرة ، وإما عالم يشاهدنا ويصفق لنا وإما فرجة علينا وتسلية بنا وسخرية منا ، والأمر بأيدينا ، والوقت لم يفت ، فهيا نتكاتف ونعمل ونعيد للثورة روحها وبريقها ومعالمها التى طمسنا بأفعالنا منها الكثير.
محمد أنور السادات
عضو مجلس الشعب