وتؤكد الإعلام أدى دوره.. وتقول للبرلمان “تقصى الحقائق” ليست للحل العرفى.. وعلى “لجنة العامرية” اقتراح حلول بدلا من إنكار التهجير
كتب أحمد مصطفى
أكدت المبادرة المصرية للحقوق الشخصية فى بيان لها اليوم، الثلاثاء، حدوث التهجير القسرى لأقباط العامرية، وتقول إن المبادرة المصرية حصلت على شهادات موثقة بالصوت والصورة للضحايا وشهود العيان من الجانبين المسيحى والمسلم أقروا فيها بإجبار عائلتى أبسخرون خليل وسامى جرجس على الرحيل من القرية.
وقالت إن من بين الشهادات شهادة المواطن محمد جلال وهو يستضيف عددا من أفراد عائلة أبسخرون، وقال إن لجنة من سبع شخصيات مسلمة من القرية – لدى المبادرة المصرية أسماء أعضاء اللجنة – ادعت أنها مفوضة لإنهاء المشكلة، وقررت تهجير العائلات المسيحية من القرية، وبيع ممتلكاتها، وأنه حين اعترض النائب أحمد عبد الحميد الشريف فى الجلسة العرفية الأولى – 30 يناير- على ترحيل عائلة أبسخرون تظاهر العشرات أمام المسجد مرددين هتافات “يرحل يرحل” وأعلنوا عن تنظيم “جمعة التطهير” -3 فبراير- وقاموا بتهديد جميع الأسر المسيحية بحرق منازلهم وإجبارهم على الخروج فى هذا اليوم كما فعلوا بعائلتى أبو سليمان ومراد سامى جرجس.
وأقر محافظ الإسكندرية أسامة الفولى وعضوا مجلس الشعب أحمد عبد الحميد الشريف وعصام حسانين عن حزب النور برحيل عائلة مراد سامى جرجس فى اجتماعهم بأهالى القرية بمسجد الرحمن مساء 27 يناير، ولدى المبادرة المصرية نسخة من فيديو عن موقع “أنا السلفى” للجلسة يقر فيها المسئولون بتهجير عائلة الشاب المسيحى.
وهو الأمر الذى أقره محضر الصلح المؤرخ 1 فبراير فى البند الأول: “خروج أبو سليمان من المنطقة من باب درءا للمفسدة وحفاظا على حياته هو وأولاده” وفى البند الثامن: “تحويل مشكلة مراد سامى جرجس لنفس اللجنة حيث إنه المتسبب فى هذه الأحداث، له علاقة سببيه بها.
وكانت المبادرة المصرية للحقوق الشخصية قد أعربت عن انزعاجها الشديد من بيان لجنة تقصى الحقائق التابعة لمجلس الشعب، والذى صدر مساء الأحد 19 فبراير بشأن الاعتداء على ممتلكات الأقباط وتهجير ثمانى أسر من مساكنهم بقرية شربات التابعة لمركز العامرية بالإسكندرية نهاية يناير الماضى. وانتقدت المبادرة المصرية البيان لما فيه من مغالطات ومحاولات فاشلة للتقليل من وطأة الجريمة التى ارتكبت بحق مواطنين كل جريرتهم أنهم مسيحيون، وتحميل مسئولية الأزمة للإعلام والمنظمات الحقوقية بدلا من التحرك العاجل لتطبيق القانون والمحاسبة السياسية والجنائية للذين شاركوا فى الجلسات العرفية المهنية التى أجبرت المواطنين على ترك منازلهم.
وقد تلا بيان لجنة تقصى الحقائق النائب محمد أنور السادات رئيس لجنة حقوق الإنسان بمجلس الشعب أثناء الجلسة العامة، وذلك فى أعقاب زيارة لوفد برلمانى مكون من ستة عشر نائبا بمجلس الشعب يوم 16 فبراير للمنطقة المشتعلة تم إثناؤها عقد اجتماع مغلق مع أطراف المشكلة وشهود العيان ومحافظ الإسكندرية وأعضاء اللجنة العرفية التى أقرت تهجير الأسر المسيحية، وقام الوفد البرلمانى بإعلان بيان صحفى آخر عقب انتهاء الاجتماع به نفس المغالطات والالتفاف عن الحقيقة.
وقال إسحق إبراهيم، الباحث فى برنامج حرية الدين والمعتقد بالمبادرة المصرية للحقوق الشخصية: “رحبنا بقرار لجنة حقوق الإنسان بمجلس الشعب بإرسال لجنة تقصى الحقائق إلى مركز العامرية، وتوقعنا من الهيئة المنتخبة أن تقترح حلولا سياسية وتشريعية تحد من العنف الطائفى والتهجير القسرى الناتج عنها، وتمنع تكرار تلك المأساة، ولكن للأسف، استمر مجلس الشعب على نهج النظام السابق الذى يهدر الحق ويفضل الحلول السطحية على إرساء مبدأ احترام القانون”.
وتبدى المبادرة المصرية للحقوق الشخصية عدة ملاحظات حول أداء الوفد البرلمانى والبيان الصادر عنه وما تضمنه من معلومات حول الأحداث، وكذلك البيان الثانى الصادر عن لجنة تقصى الحقائق:
وقالت المبادرة تحولت مناقشات الوفد البرلمانى، سواء بقصد أو بدونه، للجنة عرفية جديدة، أعضاؤها خليط من نواب الشعب واللجنة التى قررت من قبل تهجير الأسر الثمانية المسيحية، ومنوط بها حل مشكلة تهجير عائلة أبسخرون خليل الشهير بأبو سليمان فقط دون أسر عائلة مراد سامى جرجس، وأوكلت لنفسها حق إقرار عودة عائلة أبو سليمان المكونة من خمس أسر رغم أن هذا الحق مكفول من الإعلان الدستورى والقانون، ولا يحتاج إقرارا من أى لجنة. وبدا أن الوفد البرلمانى يسعى لتصويب خطأ اللجنة العرفية وتبرير ما قررته ومحاولة تقديم غطاء يتعلق بالتقاليد والعادات والأعراف دون التحقيق فى الوقائع التى وردت فى تحقيق المبادرة المصرية للحقوق الشخصية بشأن الأحداث أو فيما تضمنه البيان العاجل الذى تقدم به الدكتور عماد جاد، عضو مجلس الشعب، أو البيانات الثلاثة التالية التى قدمت فى وقت لاحق، بل إن الوفد البرلمانى قدم الشكر للجنة العرفية على جهودها، وأعلن فى المؤتمر الصحفى عقب الاجتماع أنه يكمل عملها.
وفى هذا السياق كررت المبادرة المصرية رفضها الشديد للجلسات العرفية بغض النظر عن تكوينها أو أهدافها طالما ظلت باباً خلفيا للتحايل على جبر الضرر من خلال آليات العدالة القانونية ومعاقبة المعتدين على الأفراد والممتلكات، وتتمسك بمحاسبة ومعاقبة المسئولين عن الاعتداءات والتهجير للأسر المسيحية، وتؤكد المبادرة المصرية مجدداً على أن جريمة الحرق العمد لا يجيز القانون التصالح فيها، وأن مسئولى المحافظة الذين رعوا الاتفاق العرفى ارتكبوا بذلك مخالفة صريحة للقانون تستوجب التحقيق الجنائى.
كما تتناول مناقشات الوفد البرلمانى والبيان الصادر عنه، وكذلك بيان لجنة تقصى الحقائق مسئولية الجهات التنفيذية ودورها خلال الأحداث، والذى أقل ما يوصف به هو الإهمال فى أداء مهمتها، بل ومساندة المطالب الجماهيرية الراغبة فى تهجير الأسر المسيحية بالمخالفة للقانون، فلم تقم قوات الأمن المتواجدة داخل القرية بحماية المنازل والممتلكات أثناء الأحداث أو حتى يوم الاثنين التالى لها – 30 يناير- عندما قام مواطنون مسلمون بنهب معرضين تجاريين وحرق منزل مملوكين للمواطن أبسخرون خليل الشهير بأبو سليمان فى ظل حراسة الشرطة التى كانت متواجدة منذ تفجر الأوضاع يوم 27 يناير. كما لم تلق قوات الأمن حتى وقت إصدار هذا البيان القبض على أى متهم فى أحداث الاعتداءات وحرق المنازل ونهب الممتلكات رغم وجود بعض أفراد الشرطة من أبناء القرية أثناء الأحداث وتعرفهم على المعتدين على المنازل، ورغم صدور أوامر ضبط وإحضار من النيابة العامة لعدد من المتهمين وفقا لما قاله أحمد جاد، عضو مجلس الشعب عن حزب الحرية والعدالة، خلال المؤتمر الصحفى الذى عقده الوفد البرلمانى.
وقد اتفق البيانان الصادران عن الوفد البرلمانى ولجنة تقصى الحقائق على عدم وجود تهجير للأسر المسيحية الثمانية، وجاء ببيان الوفد البرلمانى “تبين للجنة عدم حدوث التهجير الذى ردته وسائل الإعلام وإنما كانت مغادرة لظروف أمنية وحماية للأسر وانتهت إلى تطبيق القانون بما لا يخالف الشرع بأن تقيم أسرة المدعو أبسخرون خليل داخل القرية وداخل مساكنها”.
بينما جاء فى البيان الذى ألقاه النائب محمد أنور السادات بمجلس الشعب “تبين انتفاء مبدأ التهجير القسرى”، رغم أنه أضاف فى جزء آخر من البيان “أنه تم ترحيل بعض الأسر المسيحية من قرية طيبة بمنطقة النهضة بالعامرية على إثر جلسة صلح عرفية، مما أثار توترا بين المسلمين والأقباط فى المنطقة”.
وتحت ضغوط اللجنة العرفية وتهديدها للعائلات المهجرة بتكرار ما تم من اعتداءات، قررت عائلة أبسخرون الرحيل من القرية وشكلت لجنة لبيع ممتلكاتها خلال ثلاثة أشهر.
وقالت المبادرة لقد عمل البيانان على تحميل الإعلام مسئولية تضخيم المشكلة وتضليل الرأى العام، وطالب بيان لجنة تقصى الحقائق أمام مجلس الشعب “بوضع شروط ومعايير مهنية صارمة فى وسائل الإعلام، على أن تقوم نقابة الصحفيين والجهات المسئولة بإصدار ميثاق شرف العمل الصحفى”، وترى المبادرة المصرية أن من الإعلام من حاول بمتابعته الإعلامية تقديم نموذج لنقل معاناة أسر تم الاعتداء عليها وتهجيرها بمباركة مسئولين فى الدولة، وهو ما شكل عاملا للضغط على المسئولين وأعضاء البرلمان للتحرك والبحث عن مخارج لرفع الظلم عن الأسر المهجرة.
وأضافت المبادرة لم يتضمن البيانين تحديد آلية لتعويض المضارين ومساندتهم على تجاوز الخسائر التى تعرضوا لها فى ممتلكاتهم ومصادر دخلهم، وجاء فقط فى بيان الوفد البرلمانى أن هناك حصرا للتلفيات وأن الوفد انتهى بوجوب تطبيق القانون لجبر الضرر، مما يعنى انتظار المضارين عدة شهور أو سنوات للحصول على تعويضات فى حالة إحالة النيابة العامة القضية للمحكمة، وعدم حصولهم على شيء فى حالة غلق التحقيقات، وهو ما تتوقعه المبادرة المصرية خاصة أنها تدرك ما دار خلال جلسة الوفد البرلمانى من قيام القس بقطر ناشد راعى كنيسة مار جرجس بالنهضة بإعلان استعداد الكنيسة لتعويض المضارين.
تؤكد المبادرة المصرية للحقوق الشخصية على أنها تنتظر الخطوات الفعلية التى سيقوم بها مجلس الشعب لتنفيذ توصيات لجنة تقصى الحقائق والتى تلاها النائب محمد أنور السادات فى الجلسة العامة لمجلس الشعب – 19 فبراير- بخصوص مطالبة وزارة الداخلية والنيابة العامة بضرورة الاحتكام إلى القانون من خلال إحالة كافة المتورطين فى أحداث العامرية إلى محاكمة عادلة.
وكذلك التوصيات الخاصة بضرورة الاهتمام بتعليم المفاهيم الدينية الصحيحة، وهو الأمر المعنى بحقوق الإنسان، بالإضافة إلى نشر ثقافة الحوار والتسامح بين الناس حتى لا تنتشر مثل تلك الأحداث مرة أخرى.
وضرورة إقرار مشاريع القوانين التى ما زالت حبيسة الإدراج منذ سنوات، ومنها قوانين بناء دور العبادة الموحد وقانون عدم التمييز وتكافؤ الفرص وقانون الأحوال الشخصية لغير المسلمين.
وكانت المبادرة المصرية قد أصدرت فى 12 فبراير نتائج تحقيقها فى الاعتداءات الطائفية التى تعرض لها أقباط القرية، وأدانت فشل قوات الشرطة والجيش فى حماية منازل وممتلكات أقباط القرية التى تعرضت للحرق والنهب الجماعى على خلفية انتشار معلومات حول قيام مسيحى بتداول فيديو يجمعه مع سيدة مسلمة من أهل القرية نفسها، وذلك رغم قيام الشاب بتسليم نفسه للشرطة، مؤكدة رفض القبول لنتائج صلح غير قانونى تفرض عليهم التنازل عن حقهم وقبول الاعتداء عليهم بل وتجبرهم على إخلاء منازلهم وتقضى بتهجيرهم خارج قريتهم بدلا من توفير الحماية والمساعدة القانونية لهم من سلطات الدولة.
وطالبت بضرورة إجراء تحقيق قضائى وبرلمانى عاجل ومستقل فى كافة الجرائم المرتكبة ومعاقبة المتورطين فيها، على أن يمتد هذا التحقيق ليشمل دور قوات الشرطة والجيش التى تواجدت فى موقع الجريمة أثناء حدوثها ولم تقدم الحماية لضحايا الاعتداءات.