لا تزال ثورة 25 ينايربحاجة شديدة إلى الحفاظ عليها وتوجيهها فى مسارها الصحيح التى قامت من أجله ، لكن سرعان ما أخذت الثورة أشكالاً وألواناً أخرى تختلف كل يوم ، جعلت الكثيرين يحيدون عن أهدافنا الرئيسية ، وتحول الأمر إلى إستغلال للأوضاع وبحث عن مطالب صغرى مشروعة.
إفتقدنا ترتيب أولوياتنا ، وأصبح كل منا يسعى وفق عقله وأهوائه وإحتياجاته وحده، وغابت روح الثورة التى جمعتنا سوياً تحت لواء وغرض واحد، ولعلكم توافقونى الرأى بأننا أصبحنا نقدم الغايات على الأولويات ، ونسينا أن المرحلة التى نمر بها الآن تستدعى التلاحم والتكاتف ( مسلمين وأقباط ) كإخوة وشركاء فى الوطن والتاريخ بحاضر جديد يتمتع كل منا فيه بما له من حقوق، من أجل ترتيب أولوياتنا وخطواتنا التى ينبغى تحقيقها والبدء بها أولاً، ويتوقف عليها تحقيق ما يليها من أهداف.
فمن أين تأتى التنمية فى ظل الإنفلات الأمنى والإقتصاد المتدهور؟ وكيف يتحقق الإستقرار ولا يمر يوم واحد دون مظاهرات وإحتجاجات كلها مشروعة لكن لابد لمصر أن تتنفس، ولا أظننى مغالياً إن قلت أن هذه المظاهرات وتلك التى قامت من أجل طرد السفير الإسرائيلى ، وإلغاء معاهدة كامب ديفيد لابد وأن تؤجل قليلا حتى تسترد مصر عافيتها ، ونحقق أولوياتنا القصوى التى نحتاجها أكثر من طرد السفيرالإسرائيلى وإلغاء المعاهدات فى الوقت الراهن.
يشهد الإقتصاد المصرى الآن تحديات عديدة ، يرتبط بعضها بأحداث الثورة ، وبعضها الآخر ذو طبيعة مرتبطة بحال الإقتصاد العالمى ، وأصبحنا فى منطقة الخطر فقد تعطلت عجلة الإنتاج جزئياً نتيجة الإضرابات والإعتصامات العمالية، وزاد عجز موازنة الدولة نتيجة تراجع الإيرادات الحكومية وزيادة الإنفاق والإنخفاض الكبير فى ميزان المدفوعات ، وتراجع الإستثمار الخاص ، وتقلصت الإستثمارات الأجنبية المباشرة فى ظل خفض تصنيفات الإقتصاد المصرى مع صعوبة زيادة الإستثمار العام، وقلق المستثمرين ورجال الأعمال.
تراجع الإحتياطى النقدى لدى البنك المركزى من 36 مليار دولار إلى 28 مليار دولار، وبإعتبار أن الإحتياطى النقدى يعد آخر خط دفاع إقتصادى لأى دولة فإننا الآن أمام مفترق الطرق. وإن لجوئنا الآن للإقتراض من صندوق النقد الدولى أو غيره من المؤسسات ينذر
بوصاية تلك المؤسسات المالية الدولية على الإقتصاد المصرى وفرض شروطها إذا لم يتمكن إقتصادنا من إسترداد عافيته.
ولست أريد أن أضفى لوناً أسوداً على ما تمر به مصر الآن بقدر ما أريد أن يفهم الكثيرين خطورة الوضع الحالى ، ورسالة المجلس العسكرى التى أقر فيها بأن إستمرارنا بهذا الشكل يقودنا إلى طريق مسدود ، وإننا نستطيع أن نتجنب ذلك إذا ما دارت عجلة الإنتاج من جديد ، وساد المجتمع الإستقرار، وتأجلت المطالبات الفئوية.
وإن الإئتلافات والحركات والأحزاب ومنظمات المجتمع المدنى ، وكل من خرج إلى ميدان التحرير عليهم وعلى الشعب بأجمعه ، أن يقوموا بأدوارهم ويتحملوا مسئوليتهم ، ونتحرك معاً لتشجيع الإستثمار فى مصر، وإستعادة مكانتها السياحية ، ودوران عجلة الإنتاج من خلال حملات أو مبادرات أوأى وسيلة أخرى مناسبة تحقق ذات الهدف.
إن خروجنا من أزمتنا الحالية يحتم علينا أن ننحى حاجاتنا الشخصية ونتكاتف من أجل المصلحة الوطنية ، إلى أن تسترد مصر قوتها وعافيتها ومكانتها ، وطبيعى ستنتقل الثورة بطريقة آلية من مرحلة التغيير إلى مرحلة التعميروالبناء ، أما إذا إستمر الوضع بهذا الشكل فسوف تتحول أحلام الثورة الجميلة إلى كوابيس مزعجة قد لا نستطيع أن نفيق منها ولو بعد حين.