13فبراير

الوطن سجن بابه مفتوح علي مصراعيه.. وليس له قفل وبابه كبير يمكن ان يخرج جملاً! ولكن كلنا نعيش فيه ولا نريد الخروج والحرية.. ولم نكتف بقضبان وسلاسل وقيود الحبس بل وضعنا قضبانا من الحديد علي قلوبنا وفكرنا ولم نكتف بسجن جسدنا.
وطن السجن او سجن الوطن.. مصري أصيل يعشق الأرض ويعشق السجن.. ويرفض كثيرا من بدائل الوطن حتي ان هجرة ابنائه دائما مؤقتة.. ولظروف.. ولمدد لا تطول.. يعود بعدها عاشق السجن الي الوطن.. لينعم بالتراب والأهل وما ادخره من خارج السجن ومن العمل والشقاء الذي تعبه من الهجرة يعيش بها وعليها.. في سجن الوطن يأبي المصري الأصيل أي تغير.. حتي لو كان هذا التغير في قانون ودستور معيشته.. المهم ان باب السجن مفتوح.. وهو يعطيه حرية الاختيار بين البقاء او الخروج منه!
داخل السجن دائما هناك شاعر يغني ويشدو بأمجاد الماضي للسجناء.. وهم يعشقون هذا الشاعر ويمجدون الماضي في كلمات الشاعر.. يتغني الشاعر بدستور ومظاهرات الطلبة لعودة دستور 23.. تاريخ سياسي.. مثله مثل قصة علي بابا والأربعين حرامي.. قصص وحكاوي.. تسالي للسجناء.. وليس مهما ما هو هذا التراث السياسي.. ما بين مصطفي النحاس والانجليز.. وحتي عبد الناصر والسادات.. الكل متساوون في انهم أبطال قصص وحكايات شعبية تروي وتمثل وتكتب داخل السجن.. ومن السجناء من يدعي انه محلل لتلك القصص.. وناقد للتراث الشعبي.. او يدعي انه كاتب سياسي.. وانه لا يرغب في الحكم..! وانهم عرضوا علية الحكم ورفض وفضل السجن ليعيش مع أحبائه..
سجن الوطن وسجناء الوطن مصريون حتي النخاع.. أفواه كبيرة.. ووجوه ضاحكة.. ولا يريدون تغيرا حتي في لون قضبان السجن.. حتي لا يشعروا بالاغتراب داخل السجن (الوطن) ويفضلونه باللون الأسود العتيق والملمس البارد.. يمسك بيديه قضبانه فتسري فيه قوة الوجود!!
سجن الوطن فقير ولا يملك للمسجونين طعاما شهيا وماء باردا.. ولا يملك رفاهية بلاد الغربة ليقدمها بسخاء لسجناء العقول خلف القضبان.. ولكن، كل المقيمين (ليسوا علي سفر!) بالسجن يرددون قولا مأثورا.. (بلادي وإن جارت علي عزيزة… وأهلي وإن ضنوا علي كرام).. وهم سعداء في نفوسهم لان حكام بلادهم يتذكرونهم من حين لآخر.. بإعادة النظر في قضيتهم.. أو في استئناف.. يقبل من المحامين.
سجناء الوطن.. لا يرفضون ولا يوافقون علي أي شيء فيه تغير لقانون السجن.. لو ان هذا القانون له اسم الدستور أو اسم النقابة أو اسم الجمعية أو اسم الحزب.. يفضلونه كما هو.. بلا هوية ولا طعم، قانون السجن المفتوح أحكامه مصرية حتي النخاع.. والخوف كل الخوف ان يغيروا هذا القانون بدون علمهم فيصبح السجن قصرا فيشعرون بالاغتراب داخل السجن او يصير السجن أصغر حجما فيطبق عليهم فلا يستطيعون الاستمتاع بكلام الشاعر ومنشد الحكاوي..
وفي السجن أنماط من السجناء.. وأنواع من المعيشة.. سجناء ذو نفوذ وأصحاب أملاك وسجناء من أصحاب قضايا من نوع تلك القضايا التي ينشدها الشاعر ويتغني بها علي نمط دستور23.. وكلهم يعشقون السجن بقضبانه وبرودته… هم ابناء وأحفاد الرهبان المصريين القدماء الذين تركوا الحياة وفضلوا العيش في أديرة وسط الصحراء.. ليتأملوا ويتفكروا في خلق الله.. بعيدا عن هؤلاء السجانين وبعيدا عن كل مظاهر الحياة..
وصدق الشاعر حين قال (وطني لو شُغلت بالخلد عنه… نازعتني إليه في الخلد نفسي).

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

This field is required.

This field is required.