حرية التعبير .. مرة أخري .. ستظل صيغة حرية التعبير عنوانا لكافة الناشرين والمتكلمين والكتاب والمفكرين ومن يهتمون بالشأن العام ومن يخافون علي عقيدتهم ومن الذين يعشقون الفكر السياسي وتحليله .. ستظل كلمات حرية التعبير عنوانا دائما لكل المقالات ولكل الكتابات .. حتي الأجيال الجديدة التي لم تعاصر و لم تعان من الكبت ومن زمن الصمت الإجباري لسنوات طويلة في ستينات القرن الماضي تتحدث عن حرية التعبير وهم يعيشون زمن أختلف كثيرا عن الماضي ويمارسون فية التعبير بوسائلهم ..ولا تمثل لهم القضية شيئا يذكر … فهم يعبرون برأيهم – مهما كان مخالفا وشاذا – علي المواقع الالكترونية .. وعلي مواقع شخصية الكترونية .. وأطلقنا عليهم “المدونين” – فهم لا يحتاجون الي صحيفة او مجلة ورقية مطبوعة ومكلفة لنشر آرائهم وأفكارهم … و أبدعاتهم الفكرية ولا يحتاجون الي تصريح أو اذن .. او حتي مراجعة لنصوص كلماتهم أو للصور التي ترفق .. او الالتزام بسياسة الجريدة والخط السياسي لها .. ولا يخضعوا حتي للضرائب .. او رسوم .. او وسائل نقل ولا موظفون وعمال .. لقد انتهت واختصرت كل تلك التعقيدات من خلال الشبكة الدولية ( الانترنت ) علي مواقع الكترونية . اما الانتشار فهو مضمون .. ويمتد ليكون انتشارا عالميا .. وليس محليا فقط .. الشيء الوحيد الذي يضمن النجاح والانتشار هو الصدق مع النفس .. ومراعاة الضمير عند التدوين .. وهو المفتاح الحقيقي للنجاح و الاستمرار
لك ان تكون بطلا قوميا ومفكرا وطنيا أو اقتصاديا كبيرا او كاتبا وقصاصا محنكا .. في وقت بسيط وقليل من خلال عمل مدونة وموقع لفكرتك أو مشروعك .. او تدخل وتدون علي مواقع الآخرين في نفس المجال الذي تحبه وتهواه .. هذا .. اذا كان لك رأي وخط فكري يستحق .
حرية التعبير وقنواتها وأسلوب التعبير ووسائل النشر قضية بلا قضية .. فليس لدينا هذا الفكر وتلك الآراء الجديدة والخلاقة حتي تتباكي علي حرية التعبير ونسكب الدموع ونشكو الظلم واختلال المعايير ويطش الحكام .. لنا ، لأننا لا نجد مجالا ولا وسيلة لحرية التعبير .. فالوسيلة موجودة ..والأمور الإدارية والفنية والتكنولوجيا العالية متوفرة ورخيصة .. وتزداد رخصا يوما بعد يوم ..
اما المادة المعدة للتدوين أو النشر ضئيلة بالنسبة الي حجمنا وتعدادنا – كمصريين – فما زال الطريق طويلا لاعداد جيل جديد من المفكرين والمبدعين .. وبدايته تبدأ من أصلاح التعليم .. وإصلاح أسلوب منح الشهادات والدرجات العلمية .. التي أصبحت لا تساوي قيمة الحبر المكتوب بها شهادة الماجستير والدكتوراة التي تمنح لجاهل او نصف متعلم .. انطلاقا من مبدأ السير في طابور الشهادات والمناصب ..بغض النظر عن الإبداع والجديد في تلك الدرجات العلمية العالية .. وأول مبادئ منح الدرجات العلمية هو أن يكون هناك في رسالة الدكتوراة اكتشاف جديد في جزئية من مجال الدرجة العلمية الممنوحة .. فلو افترضنا ان لدينا في مجال واحد من العلوم 500 دكتوراة ممنوحة لـ500 شخص .. فان هذا يعني ان هناك 500 اكتشاف علمي جديد في مجال واحد .. فهل هذا صحيح ..؟؟
دولة بحجم مصر .. بها أكثر من 75 مليون نفس بشرية .. نصفهم أمي ، لا يقرأ و لا يكتب و نصفهم الأخر يستطيع ان يقرأ وان يكتب ( يفك الخط ) .. ولكنه لا يريد القراءة ولا يهوي الكتابة .. فلما يشكو من عدم حرية التعبير ؟ أي تعبير ؟ واين القضية ؟ التي يريد ان يطرحها علي الرأي العام وعلي العالم ؟ اين تلك الأفكار .. لقد دفنت الأفكار في وهم الرضا بالمقسوم !! في ملهاة الحياة ومشاكل المعيشة اليومية .. حرية التعبير قضية يعيشها فقط من مازال له عقل وفكر وله طموح .. ..
الإصلاح التعليمي ونسف وتدمير الروتين القديم في إتباع الأساليب التقليدية في التعليم الجامعي أعتبره بداية جادة للإصلاح .. ولست من خبراء التعليم ولا أدعي هذا .. ولكني وبصفتي نائب عن دائرة تزخر بالكثيرين من المتعلمين وأصحاب الشهادات .. وبجوارهم من لم يتحصل علي أي نسب من التعليم .. وكلاهما متساو في الفقر وقلة الرزق.. وفرص العمل .
ولماذا نشكو من عدم حرية التعبير ؟ ولمن ؟ .. اذا كنا في الأساس فقراء معدومين في أفكارنا وتعبيرنا .. وليس أدل علي ذلك من أننا – كعرب بحجمنا الحالي لم نعبر عن نصرنا في أكبر حرب جرت بيننا وبين إسرائيل في القرن الماضي – حرب 73 .. هل عبرنا وشرحنا وأفضنا في تفصيلاتها مع مرور كل هذا الزمن بفيلم سينمائي تجاري عالمي يشرح رأينا بطريقة غير مباشرة ..فيلم سينمائي يعيش في أذهان العالم .. ويغير صورة العرب الممسوخة والعربي الثري الذي يملك ثروات بترولية ويجهل أبسط مبادئ العلوم والتكنولوجيا والتقدم العلمي ويستخدم الجمل في الأسفار .. ويصطحب معه ما ملكت أيمانه من النساء ! صورة هذا الجاهل العالقة في فكر كل طفل في الغرب وفي أمريكا..
حرية التعبير المفتري عليها عندما عملت بذهن أحد نواب مجلس الشعب .. ونطق بافتراضات.. كانت يمكن ان تصلح لان تكون مادة لفيلم سينمائي ..مجرد انه حرك سكنات و خلجات عقله ورأي ما لم يراه العامة .. دخل السجن بتهمة أهانه جيش مصر .. وهو جندي في هذا الجيش ( بصفته الرسمية كعضو في المؤسسة النيابية ) . لذا طبق عليه الحكم العسكري .. وله ان يفخر بهذا التناقض .. فهو المستفيد كمتهم أكثر من الذين حبسوه! أليس هذا فيلما !
250 جندي مصري تم قتلهم عام 1967 -عام النكسة كما كانوا يطلقون علية – أعترفت إسرائيل بالجريمة طوعا ولم يجبرها أحد .. وقبلها بسنوات أعترف أحد الاسرائيلين
في مذكراته –التي فتحت بعد وفاته انه قتل جنديا مصريا استطاع بمفردة – بعد ان قتلت كتيبته بالكامل وأصبح وحيدا – قتل عدد من الإسرائيلين في تلك السنه.. وأطلقنا عليه أسد سيناء .. – فلاح بسيط من ريف مصر ..
وهناك العشرات من تلك القصص الدرامية التي تحمل قيم ومبادئ وبطولات وهي قصص حقيقية وليست من فكر ورأي مؤلفين وكتاب دراما ..
سيناريوهات جاهزة ومعدة وتاريخية وذات قيمة عالية ، ولا نستغلها ! ونتباكي علي عدم حرية التعبير !! عبر وأكتب وأحكي وأفعل ما تشاء وأخلق حريتك بنفسك .. ولا تنتظر عطايا من هؤلاء الذين لا يملكون لك نفعا أو ضرا ..
حرية التعبير .. مرة ثانية وثالثة ورابعة .. أكتوي بنارها كتاب ومفكرون منذ أكثر من قرن مضي .. عاني منها الدكتور طه حسين .. وعاني منها المصلح الاجتماعي قاسم امين .. حتي السياسيين عانوا منها .. عندما قرر عبد الناصر تأميم قناة السويس .. وجد من المعارضة العالمية جبالا من العقبات والصعاب ولكنه صمد لفكره – ايا كان صحيحا أو مخطئا – ونجح ..
الفكر والرأي والاجتهاد بدايات لإصلاح المجتمع والنهوض به من الهوة الحضارية التي نعيشها الآن ..