المرأة في عمومها وفي كل بلاد العالم متقلبة، ولكنها في مصر كثيرة الحركة، أكثر من نساء بلاد كثيرة، والحاجة الاقتصادية هي التي تدفعها لذلك، فهي تصنع وتقيم البيت، وترعي الأسرة في أحلك الظروف، وخصبة مثلها مثل أرض دلتا مصر وطينها الأسود، وأنوثة مشاغبة لا مثيل لها، وتعطي بلا حدود، ولا تجد من يعطيها كلمة صدق وحق، إلا القليلين. وصفوها بأنها نصف المجتمع، ووصفوها بأنها النصف الحلو، واعتبرها البعض نص الدين، وفي النهاية هي نص «بعقلية المصري البسيط»، بل نعتها البعض بأنها ناقصة عقلاً ودينا، هل هذا الوصف نابع من منطلق أنها نص؟ جايز!! في أوروبا وأمريكا المرأة ليست «نص» ولا «ربع»، بل واحدة، وكيان مساو تماماً للرجل في الحياة العامة وفي ممارسة الحقوق الاجتماعية والسياسية، وتتولي قيادة الأحزاب وترأس الوزارات والحكومة نفسها وحتي رئاسة الدولة.
ولم يقل أحد إنها «نص»، أو «نص ونص»، فكم من الرجال لم يبلغوا حتي ربع ما وصلت إليه، وتلك الحالة من القصص والحكايات القديمة والمعروفة!.
في مصر من العجائب الكثير الذي يحكي عن المرأة في ظل الظروف الاقتصادية الحالية، والتي وصلت إلي مستوي متدنٍ، وأصبح إيجاد وظيفة أو عمل ثابت ضرباً من الخيال ومعجزة أن تحصل علي عمل ثابت، وقد وصل الأمر بأحد نواب مجلس الشعب أن أعلن عن مسابقة بين شباب دائرته للحصول علي عدد ٥ وظائف، والفائزون سيحصلون علي تلك الوظائف، هل تعرف كم عدد المتقدمين لهذا اليانصيب.. آلاف؟
وإذا كان الأمر صعباً هكذا، فلماذا لا تعمل المرأة وتقيم هي البيت بدلاً من الرجل إذا كانت الظروف تسمح لها بوظيفة، ويتبادل الزوجان الأدوار في البيت، «وأيضاً هذا يدخل تحت القصص والحكايات القديمة والمعروفة»،
لأنه حدث ويحدث كل يوم في بلاد كثيرة وليس في مصر فقط، أما الجديد فهو أن تتولي المرأة في مصر رئاسة الحزب وتضع خطط الحزب والأهداف ونظرتها للمستقبل، بينما يعمل الرجل بالبيت. نساء أصبحن وزيرات دفاع، ونساء أمسين وزيرات خارجية، وبين الصباح والمساء تولد نجوم وتخرج علينا مواهب في القيادة من نساء فاضلات دخلن معترك الانتخابات ونجحن،
في أوروبا وأفريقيا وأمريكا وآسيا، إلا في مصر، الوضع مختلف كثيراً، فكيف تدخل المرأة معترك انتخابات دون أن يكون لها قوة ذراع وسلطان، وكثير من المال، يحميها ويحمي من يعطيها صوته من الاعتداء والبلطجة والتزوير لتمرير الناخب حتي يصل إلي الصندوق؟ ويلقي بورقة التصويت داخله؟
كيف تدخل المرأة الانتخابات ولم تعد نفسها فكرياً و ذهنياً ومعنوياً لخوض تجربة لا تخلو من التجريح الشخصي قبل التشكيك في النزاهة؟ وكيف تستمر في معركة انتخابية ليست متكافئة من حيث الإمكانيات التي يوفرها حزب الحكومة لمرشحيه؟ وكيف تدخل المرأة الانتخابات وليس لها برنامج تنموي إلي جانب البرنامج السياسي، وهي لم تقرأ ولم تسمع إلا ما تذيعه وسائل الإعلام الحكومية، وليس لها معاونون مخلصون يعملون معها ولها؟ الأسهل للمرأة المصرية أن ترشح نفسها في دولة أوروبية أو عربية أو أفريقية وسوف تفوز بلا شك.
الصورة ليست سوداء هكذا، ولكن هناك من صحة هذا الكلام كثير.
ومازالت المرأة المصرية مظلومة.. حتي في السياسة! فهل من مخرج لها؟
في مصر كثير من مظهرية العمل التطوعي والعمل العام، والذي تتولاه امرأة «ظلموها وظلموا العمل العام بها»، وما بين منظمة المرأة العربية والمجلس الأعلي للطفولة والأمومة والمجلس القومي للمرأة، تاهت قضايا الإصلاح وقضايا التنمية، لأنها كلها كيانات مظهرية هشة، ولم تقدم شيئاً ملموساً للأسرة المصرية الفقيرة، وما بين وثيقة الطفل ومراعاة المرأة المعيلة، ومحاربة ختان الإناث، ورأي المرأة في التعديلات الدستورية، ورأي المرأة في العولمة، ورأي المرأة في أي حاجة!!! صدرت الآلاف من المنشورات الورقية «لم يقرأها سوي من طبعوها» وأقيمت المسابقات لاستكمال الشكل.
ظلمنا المرأة وظلمنا مجتمع النص، في منظمات تستكمل شكل العمل الاجتماعي أمام العالم بلا فاعلية، وفي ظل تلك الكيانات الاجتماعية المظهرية كانت ظاهرة التوربيني مفاجأة للمجتمع، لفضح فشل هذه المؤسسات.
واستكمالاً لمنظومة «ومظهرية» عمل المرأة في المجتمع وتنمية دورها، ورفع مستوي تعليم المرأة، ومساعدة المرأة في المشروعات الصغيرة، وفي تربية الأرانب وفي تربية المواشي،
وفي تعليم الأولاد، وفي أي شيء – تقام احتفالات بالفنادق الفاخرة «خمس نجوم» لتكريم وتوزيع شهادات التقدير لمن قمن برعاية المرأة وتثقيفها، وسط أجواء موسيقية تذاع فيها أغاني ست الحبايب وبرامج الست دي أمي، والأغاني المعدة خصيصاً لهذا الغرض، والبركة في المنح الدولية المخصصة لهذه الأغراض، والرحلات الخارجية لحضور مؤتمرات عالمية تخص المرأة المصرية.
عشوائيات مصر بها من النساء المصريات العاملات اللائي لا صوت لهن، لا في استفتاءات ولا في انتخابات، ولا رأي لهن في المواطنة ولا الدستور «اللي ح يتغير!»، تركنها لأصحاب المؤتمرات والندوات والدراسات، وصاحبات المؤتمرات والندوات والمراكز النسائية يقتربن من فقراء العشوائيات لدفعهم لمراكز الاقتراع بغرض التصوير والظهور في الميديا، وإغرائهم بمزايا عينية تافهة.
مظلومة المرأة المصرية منا نحن قبل أن تكون ظالمة لنفسها، والمشوار مازال بعيداً
جداً.. وهو مرتبط بإعادة النظر في جميع قضايا التنمية.