في مدينة تمجد الخارجين علي القانون… مدينة تحت الحصار…. يسيطر عليها مجموعة من المجرمين تسعد عند إلحاق الألم بالآخرين، مدينة سعت إلى تقويض الخصوم السياسيين للتغطية على مشروعات النهب المنظم …..حيث ازدادت الرشاوى و معدلات الجريمة، و انتشر الفساد من خلال استغلال الوظائف العامة وتسخير المال العام لمصالح خاصة و توحدت العلاقة بين المال والسلطة.
ظهر بطلان لإصلاح هذه المدينة، الأول بطل النور و هو السياسي المنتخب الذي اجبر المتهمين بالفساد على المثول أمام القضاء ومساءلتهم…. بطل يضرب المثل الأعلى في النزاهة والاستقامة ، قادر علي محاسبة من اخطأ… يمتلك الإرادة السياسية…. بمقدوره سن التشريعات اللازمة لمحاربة الفساد واستئصاله من جذوره … يلزم الحكومة بالشفافية والمحاسبة و يحاول وقف مسلسل الفساد والاعتداء على المال العام. أعاد بناء الأنظمة الإدارية و الاجتماعية وإحياء الوطنية…انه فارس النور الذي تسانده الإرادة الشعبية و السلطات التشريعية و القضائية و وسائل الإعلام.
و البطل الآخر يتخفي وراء قناع يطبق العدل بطريقته ، وسائله خارجه علي القانون لا يستند إلي الشرعية في عمله حتى انه يجبر خصومه ممن يتخطون حدود القانون علي الاعتراف بجرائمهم ، مستخدما وسائل التعذيب في السعي المحموم للحصول علي معلومات حيوية….وفي النهاية ينقذ العالم كله.
هذه القصة ليست مجرد تأمل مظلم للخير والشر، و لكنها تأمل للصدام بين النظام والفوضى والصراع بين سيادة القوة وسيادة القانون….هي قصة” فارس الظلام ” احدث الأفلام الأمريكية الذي حطم الأرقام القياسية لإيرادات السينما الأمريكية و الذي اتهمه النقاد الأمريكيون بمحاولة الترويج لسياسة الرئيس بوش و تقديم تبرير للحرب ضد الإرهاب باعتبار” باتمان” يجسد شخصية الرئيس الأمريكي الذي يحقق الأمن والنظام في هذه الغابة ، فهو يرتدي قناع و يأتي من حيث لا ندري يخرق القوانين و ينتهك الحريات و لكنه في النهاية يحارب الشر .. و رغم محاولة الفيلم التأكيد علي أهمية دور( السياسي المنتخب) إلا انه يجهض الآمال بموت فارس النور و يظل فارس الظلام هو الحارس الصامت و العين الساهرة!.
قدم لنا الفيلم نموذجا واضحا لزمن القوة الذي غابت فيه سيادة القانون و تفشي الفساد و أصبح البقاء للأقوى ، كما قدم لنا أيضا فرصة للتفكير في أهمية دور السياسي النزيه في زمن غير نزيه.فهو بالفعل الفارس القادر علي مكافحة الفساد -بكافة أشكاله و صوره- بالشرعية التي يملكها ، و مطالب بالتصدي لفساد السلطة التنفيذية والتشريعية وفساد الإدارة العامة …..الفساد الذي أدي إلى تآكل القدرة المؤسسية للحكومة و تجاهل العدالة و المساواة، واستنزاف الموارد ، وضعف الهيئات الحكومية، فالفساد قوض شرعية الحكومة وقيمها الديمقراطية كما ازدادت معدلات الفقر و البطالة و التدهور في كافة المجالات السياسية و الاقتصادية و الاجتماعية و اتسعت الهوة بين الغني و الفقير فانتشرت العشوائيات و ازدادت معدلات الجرائم المنظمة و غابت القدوة وغاب الانتماء و الولاء.
أصبحنا لا نحتاج لفارس واحد بل لجيش كامل يعمل من اجل الارتقاء بهذا الوطن و مصالح مواطنيه، يسعي للقضاء على الفاسدين و المفسدين، يشعر بآلام الناس و يعبر عنها …. يسانده تكاتف الجهود وتآزر الطاقات وصدق النوايا. هذا الجيش سوف يعمل في النور و سيقهر قوي الظلام لأنه ببساطة شديدة يمتلك الشرعية و الارادة الشعبية.
عضو المجلس المصري للشئون الخارجية