لم تكن زيارتي للولايات المتحدة الأمريكية هذا العام هي الأولي، فقد قمت بزيارة الولايات المتحدة مرات عديدة ولكن أستطيع القول إن هذه المرة كانت متميزة وفريدة… فقد أفرزت زيارتي العديد من الرسائل الخاصة لوطني الحبيب مصر… رسائل محبة من أجل رفعة الوطن وعزة أبنائه.
فقد أتيحت لي الفرصة ضمن مجموعة من المصريين المهتمين بالعمل العام لحضور المؤتمر الانتخابي الأخير بمدينة «دنفر» لتسمية المرشح الديمقراطي باراك أوباما لمنصب «رئيس الولايات المتحدة الأمريكية»… والحقيقة رأيت وتعلمت الكثير… فقد استطاع هذا المرشح الأسود أن يحقق نجاحًا مذهلاً في حشد شعبي هائل من البيض قبل السود مجتمعين علي كلمة واحدة وهدف مشترك ألا وهو «التغيير»، ضيقًا من سياسات الإدارة الأمريكية علي مدي السنوات الثماني الأخيرة والتي هزت صورة أمريكا أمام العالم… الشعب الأمريكي يرحب بصاحب الرؤية ومضمون الرسالة أيا كان لون حاملها.
وقد انبهرت بحملة أوباما الانتخابية التي تميزت بحسن التنظيم والإعداد الجيد والأهم من ذلك الصلاحية الكاملة للمرشحين جمهوريين أو ديمقراطيين في ممارسة حريتهم في التعبير عن معتقداتهم وبرامجهم القادمة وكذلك الاهتمام الإعلامي العادل بكل مرشح، ويرجع هذا إلي احترام المسؤولين وفئات الشعب المختلفة لمبادئ الحرية والفرص المتساوية، دون الاعتبار للون أو الدين أو حتي المسمي الحزبي… وهذا نقيض تام لما يحدث في مصر.. فخالجتني مشاعر مختلطة من انبهار بأسلوب إدارة حملاتهم الانتخابية هناك وانكسار بما يحدث من تزوير وقمع هنا (في مصر)!
الكل يعمل في منظومة صحية ومتكاملة إضافة إلي الدور العظيم للجانب التطوعي الذي تقوم به المنظمات الأهلية والمجتمع المدني والإنساني، باقتدار ليس فقط علي المستوي التنظيمي أو الإرشادي بل علي مستوي الدعم المالي اللازم للحملات الانتخابية… ويكفي أن نعلم أن التبرعات لحملة أوباما وصلت إلي ٤٠٠ مليون دولار ليكون إجمالي التبرعات لكل من المرشحين ١٠٠٠ مليون دولار أمريكي.
مضمون الرسالة التي لمستها وعدت بها من «دنفر» إلي الوطن أن الشعب الأمريكي متحمس ومقتنع تمامًا بضرورة تحسين صورة أمريكا أمام العالم للتصالح مع العالم الخارجي رغم مشاكلهم الداخلية من ارتفاع الضرائب وعجز الطاقة خلاف مشكلة التغير المناخي والأعاصير… إن ما عايشته يعد درسًا عمليا وشفافًا لكل من يتابع العمل العام والعمل السياسي رغم اختلافنا كثيرًا مع سياسات أمريكا.
من جانبي لم أكتف بهذا القدر من السلوك الديمقراطي فقد نويت من فترة، ليست بالقصيرة، أن أتلمس بنفسي ما يدور بأذهان الإخوة الأحباء أقباط المهجر فالتقيت ببعضهم بمدينة نيوجيرسي وقد شعرت بانزعاجهم وقلقهم علي أحوال أقباط مصر نتيجة بعض الممارسات والتجاوزات التي تنقل لهم بصورة مبالغ فيها أو مغلوطة للتفرقة بين أبناء الوطن الواحد.
كان لقاء لمدة يوم واحد لم أشعر فيه بأي غربة وسطهم، بل أحسنوا ضيافتي وإكرامي، كما توقعت من بني وطني، لأحمل معي رسالة ثانية في غاية الأهمية مناشدًا حكومتنا المصرية بأن تشق القنوات الرسمية لإيصال المعلومة الواقعية الصحيحة لأبناء مصر المقيمين في الخارج والذين يمثلون وجهًا مشرفًا للمصريين، كما أنني أشدد في توجيه نظر الأحزاب السياسية ومنظمات المجتمع المدني بأن تأخذ علي عاتقها تنفيذ حملة تواصل بين الوطن وأبنائه المغتربين بالخارج بعقد اللقاءات معهم والاستماع لتصوراتهم وهواجسهم وتبني نقل وجهات نظرهم إلي الحكومة – حكومة الشعب المصري كله – وذلك من أجل إعادة بناء جسر الثقة الذي انهار من انقطاع الوصال المدني والاتصال الرسمي، ولنقطع الطريق علي أفكار المفسدين وفاقدي البصيرة بصحيح الأديان من طرفي النسيج الوطني الذين أعماهم التعصب، ولم يحسبوا قط أن النار التي يشعلونها ستأكل الأخضر واليابس، ولن تأتي إلا بالفرقة فتجعل الوطن هشا مباحًا، لكل من يتربص به والذي لن يفرق في عدوانه بين الطرف والآخر.
من هنا أدعو المسلمين والأقباط معًا إلي أن يلتزموا بمنهج الأديان السماوية في السماحة والمحبة وإقرار العدل والمساواة… وأننا جميعًا نعلم من ذاكرة التاريخ أن تضامن وترابط النسيج الوطني مسلمين وأقباطًا هو السبيل الأوحد لحماية الوطن… لأننا في مصر شركاء في عبادة رب واحد وليس لنا سوي وطن واحد… وعلي جماعة الإخوان المسلمين أن يستوعبوا إخوانهم المسيحيين ويراعوا في خطابهم الديني والسياسي مشاعرهم وحقوقهم حرصًا منهم علي تطبيق مبادئ الدين الإسلامي السمح الذي يعيش في ظله الجميع من مختلف الأديان في عزة وأمان.
تلك الرسائل حملتها في وجداني وحلمت أن تتحقق في وطننا الأم عند عودتي، فأرجو أن نتبصر جميعًا المضمون لنتعلم ونتصارح ونتواحد.
أنور عصمت السادات