10أكتوبر

عشر سنوات ونستقبل في هذا الوقت تقرير الخارجية الأمريكية؛ الذي تصدره بشأن الحريات الدينية في مصر بنفس الادِّعاءات المغلوطة والمبالَغ فيها حتى بالنسبة لأغلبية الشعب الأمريكي؛ فأصبحت وكأنها تبيع “الروبابيكيا” في السوق المصري، جاهلةً تمامًا أو متناسيةً بإصرارٍ أننا في مصر لنا قدرة عقائدية ذات طابع خاص لجميع الأديان السماوية الثلاثة، وأن الحرية الدينية تشمل الجميع، فلم يغلق يومًا جامع أو كنيسة أو معبد، رغم بعض التجاوزات من هنا وهناك، وأن التكوين العقائدي الذي فُطِر عليه المصريون بمختلف دياناتهم هو الأساس التي ترتكز عليه المحاذير من حدوث أي تطرفٍ يمزِّق النسيج الوطني.

فثقافتنا الدينية تختلف تمامًا عن ثقافة الغرب، فلا مجالَ عندنا لاختراع أديان أو استنباط مذاهب؛ فقد مضى زمن الأنبياء عليهم السلام، ونحن العباد نعيش بما أوصونا به بما جاء بكتاب الله وسننهم وتعاليمهم.

إن البيئةَ المصريةَ غير ممهَّدة- ولن تمهَّد أبدَ الدهر- لتستقبل رغبات أيِّ أحد كان في إيجاد الفرقة بين دين وآخر أو إشعال الفتنة بين طائفةٍ وأخرى؛ فالمصريون يعلمون تمامًا أن مصلحتهم جميعًا أقباطًا ومسلمين في استقرار الوطن وعدم العبث بمقدَّراته.

لقد أنفقت الإدارة الأمريكية أموالاً طائلةً على أفراد ومؤسسات داخلية وخارجية من أجل أن تكون مصدرًا معلوماتيًّا لها؛ رغم أنها تعلم جيدًا أن كثيرًا من تلك المعلومات زائفة، ولا تعبر من قريب أو بعيد عن ثقافتنا وتمسكنا بمفاهيمنا الدينية، رغم أن لدينا بعض التجاوزات والانحرافات وسلوكيات غير مقبولة؛ إلا أنها لا ترقى أن تكون أسانيد شمولية لتلك الاتهامات.

إن تقريرَ الخارجية الأمريكية بعيدٌ كل البعد عن الحريات الدينية واحترام العقائد عندنا؛ لأنه لم يوثّق معلوماته من مصادر محايدة، كما أن للديمقراطية أركانها التي تتماشى مع أرضية وجغرافية كل دولة، فضلاً عن العادات والتقاليد فلا يمكن تطبيق نموذج واحد للكل.
إننا هنا في مصر، شعبًا وحكومةً، نرفض تقريركم الذي صدر عن جهالة بثقافتنا؛ لأننا نعلم أن الوطن هو العرض، ولن نسمح أن يستغل أحد الحوار الدائر في الداخل مهما كان ومهما طال بين معارضة وحزب حاكم؛ لينتهك سيادتنا ويتدخل في شئوننا؛ لأن خلافتنا نابعة عن غيرة الجميع على مصالحنا، وهذا حال كل الدول متقدمة كانت أم نامية، وليس للقضاء على الوطن بإشعال الفتن وتصعيد الصراعات الدينية والطائفية، كما تحاولون أنتم دائمًا.
وإن هذا لا يمنع أن يكون لديَّ شعور داخلي بعدم الارتياح وشدة التخوُّف من تصاعد حدة الحوادث والمواجهات الطائفية وتزايدها، وأجواء عدم الثقة المتبادلة بين طرفَي نسيج الأمة، وهي مسألة في غاية الخطورة إن لم ننتبه لها.
وندائي الآن إلى بني وطني على مختلف عقائدهم الدينية وانتمائهم السياسي؛ أن يتمسكوا بدعائم المواطنة والإخاء؛ فهي السبيل الوحيد والسد المنيع لأي سيول خارجية، ويجب أن يعتصم الجميع بحبل الله حبًّا في الوطن.

إننا بالفعل نحتاج إلى معالجة ومواجهة صريحة، والإصلاح بدءًا من الجذور، حتى لا ينفرط عقد الوطن وتكون ثغرة ينفذ منها الغرب إلى شئوننا الداخلية، وهذا يتطلَّب الجهد الهائل من أصحاب فكر التنوير من المثقفين.

فأين إذن دورهم المحوري؟! كما أطالب مجلس الشعب المُوقَّر أن يشرِّع قانونًا تُغلَّظ فيه العقوبةُ لكل مَن يثبت تورُّطه في إشعال الفتنة الطائفية بين دينٍ وآخر أو بين المذاهب المختلفة؛ ليكون عبرةً وعظةً لمَن يهون عليه وطنه وعرضه وكرامته.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

This field is required.

This field is required.