21ديسمبر

لم يكن الرئيس الأمريكي جورج بوش يتخيل عند اتخاذه قراراً باحتلال العراق منذ أعوام أنه علي موعد مع حذاء الصحفي العراقي منتظر الزيدي، الذي أراد أن يعبر عن وجهة نظره في فترة ولاية الرئيس بوش بطريقة عملية يبرهن من خلالها علي أن الشعوب العربية لا يمكن أن تنطلي عليها خدعة الاحتلال من أجل تحقيق الديمقراطية وعبر بفعلته عن مشاعر الوطن العربي الغاضبة من سياسات الإدارة الأمريكية الحالية، وإن كانت هذه الفعلة لا تعبر بأي شكل من الأشكال عن سلوكيات العرب التي تتسم بالشهامة وكرم الضيافة ولكن الإدارة الأمريكية أخرجت المواطن العراقي البسيط عن شعوره وجعلته يخالف طبيعته المعروفة عنه باحترام ضيوفه وعدم اهانتهم في بيته أبدا.

تأتي واقعة ضرب بوش بحذاء الزيدي خلال المؤتمر الصحفي بعد أسبوع واحد من واقعة مصافحة شيخ الأزهر للرئيس الإسرائيلي شيمون بيريز وما صاحبها من غضب الرأي العام في الوطن العربي والإسلامي والذي ظهر في تصريحات الشيوخ وهجوم بعض أعضاء البرلمان المصري علي شيخ الأزهر ومطالبة رئيس الجمهورية بإقالته، وبين الواقعتين تظهر الفجوة بين عدم مراعاة المسئولين في الوطن العربي لمشاعر الشعوب المقهورة من خلال احتلال أراضيها وبين الغضب والعنف اللذين انتابا المواطنين العرب ومن ضمنهم منتظر الزيدي نتيجة إحساسهم بتخاذل الأنظمة العربية في الفترة الأخيرة تجاه القضايا الإقليمية والوطنية.

ولعل هذا التباين في المواقف يجعلنا نطالب مجدداً باستقلال المؤسسة الدينية عن املؤسسة السياسية في مصر خاصة الأزهر الشريف لما له من دور عالمي في ريادة العالم الإسلامي وأداء هذا الدور المهم في تعريف العالم بقيم ومبادئ الدين الإسلامي وتعاليمه السمحة بعيدا عن التطرف والتشدد وشرح منهج الإسلام في الارتقاء بسلوكيات المسلمين وإرساء مبادئ السلام والمحبة بين المجتمعات، لأن ما حدث من الهجوم علي شيخ الأزهر كان نتيجة موقف سياسي لا علاقة له بالمواقف الدينية وكان علي شيخ الأزهر أن ينأي بنفسه عن الدخول في المعترك السياسي الشائك خاصة أن ردوده علي الاتهامات أثبتت بعده الكامل عن الرؤية السياسية وهو دور بعيد كل البعد عن مهام منصبه.

ولا يخفي علي أحد أن حالة الاحتقان التي أصابت المجتمعات العربية نتيجة سياسات الإدارة الأمريكية وضعف وتراجع المواقف والأدوار السياسية للدول العربية وقادتها جعلت الشارع العربي بالكامل والعديد من المنظمات المدنية والنقابات المهنية تحتشد في الفضائيات لمناصرة منتظر لأنه عبر عما بداخلهم من غضب وهو ما يعد مؤشراً كبيراً علي اختلال منظومة إدارة السياسات العربية وضعف دور جامعة الدول العربية وانحصاره في عقد الاجتماعات وإصدار البيانات واطلاق الاحتجاجات والإدانات التي لا طائل منها علي أرض الواقع السياسي لانعدام الإرادة السياسية للقادة العرب.

كما أن هاتين الواقعتين أكدتا علي أهمية مراعاة الساسة والقادة في العالم أثناء وضع سياساتهم للبعد الشعبي في الوطن العربي وتطور المجتمع المدني وزيادة الوعي السياسي لدي المواطنين، وأن يتذكروا دائما الفجوة بين الحكومات العربية وشعوبها وأن التعاون بين الحكومات والمسئولين لا ترتبط بالضرورة بمواقف الشعوب التي اختارت أن تقود معركتها بعيدا عن التخاذل السياسي للقادة العرب وكان حذاء الزيدي إنذاراً شديد اللهجة لقادة العالم أجمع أن السلام هو سلام الشعوب وليس سلام الشيخ.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

This field is required.

This field is required.