14يناير

استعدت – و انا أتابع الهجوم الحالي على دولة قطر – مقالا كنت قد كتبته منذ فترة أتساءل فيه عن أسباب النقد التي توجه دائما لهذه الدولة الشقيقة عند مبادرتها لاتخاذ خطوات جادة و حقيقية في القضايا العربية القائمة – و الملحة غالبا- و التي تتسبب كما هو الحال الان في انقسام في الرأي العربي على مستوى الحكومات مع بعضها و على مستوى الشعوب مع حكامها .. فقد كان رأيي و لا زال بأن دروب الخير كثيرة .. و لكن المتسابقون في الخير ليسوا كثر .. بل قلائل .. ودولة قطر واحدة من دول الخليج التي دخلت هذا السباق من منطلق أنها دولة تملك ثروات نفطية كبيرة وفكر متفتح .. وفي قطر أقيمت دولة جديدة .. أو بالتعبير المصري الشعبي – دولة كما يقول الكتاب – أهم ما يميزها انها اتخذت من فكر السياسة الخارجية مبدأ لها وأساس ..
أجيال جديدة في قطر وفي دول الخليج ،هم أبناء حكام جيل ما قبل الستينات وحتى نهاية القرن الماضي .. أجيال لا تعترف بالميراث والتركة التي خلفها لهم آباءهم .. ولا تعترف بالمسلمات والثوابت التي تركها لهم أجدادهم .. تعلموا الحياة خارج بلادهم .. تعلموا السياسة والاقتصاد بعيدا عن مؤثرات السلطنة والمملكة … نظروا للأمور من بعيد .. فكان حكمهم على الأشياء حكم خالي من المؤثرات وبعيدا عن الانتهازيين الذين يحيطون بالملوك والأمراء ويفسدون أنظمة الحكم .. هؤلاء الشباب عرفوا قيمة الحياة وقيمة المشاركة وقيمة التضامن القومي .. تعلموا كيف تبنى الدول .. كيف توضع القوانين .. كيف يخطط للمستقبل … وكيف يخدم الفكر السياسي دولهم الصغيرة.
و شباب حكام قطر أيقنوا أنه لن يبقي لهم ذكرى سوى عملهم في خدمة أهلهم وأبناء وطنهم .. وفي الخير والعطاء الذي يقدمونه .. وبدءوا بالديمقراطية وفتحوا أبوابا لها في بلدهم… منتديات للفكر والحوار وحتي للاختلافات والنقد ..واتخذوا من منهج وفكر السياسة الدولية قاطرة لباقي فروع الحضارة .. فأنشئت أشهر محطات الفضائيات الإخبارية الحرة (قناة الجزيرة الاخبارية) كما سمحت بقيام المؤسسات الفكرية علي اختلاف أيدلوجياتها ومعتقداتها … ولم تخشي أحد من الجيران العرب في اتهامها أنها تصدرالأفكار اليها!!
استوعب حكامها دروس التاريخ واستغلوا ثرواتهم في نشر الأفكار الحرة ولم يستخدموها في إثارة قضايا وخلافات مع الدول المجاورة مثل بعض الدول النفطية الاخرى ..
والمقارنة بين مصر و قطر لن تكون منصفة ، فلماذ الشعور بالغيرة ؟؟ او الشعور بقلة الحيلة و قلة الموارد ؟ فلكل من الدولتين أسلوبها وظروفها ، تجعلها تأخذ طريق قد يكون مخالفا للآخر في محاولة النهوض بالمستوي الاقتصادي والحضاري لبلده .. ولكن ما يقوم به بعض السياسيين و الكتاب المصريين والصحفيين من تلميحات عن حكام قطر وعن أسلوب عملهم وعن أفكارهم ، لا يخدم أحدا بل يعود بنا الي الوراء و يقلل من قيمة وحجم الأعمال التي تصب في مصلحة المواطن العربي .
إن من يبحث عن المصلحة العامة للشعوب العربية لا يرى مانعا على الاطلاق ان تكون قطر راعيا و طرفا في حل المشكلة الفلسطينية فقد أثبتت وساطتهم نجاحها في وضع أساسات لحل المشكلة اللبنانية … فهذا لم و لن يقلل من قيمة أحد … بل بالعكس يطرح أفكارا و حلولا من منظور أبعد قليلا من تعقيد العلاقة المصرية الفلسطينية و يفتح مجالا اوسع باشراك الدول العربية مجتمعة في اتخاذ قرارات تحظى بتأييد الجميع مما يجعلها أقرب للتنفيذ على الأرض.
إن حكام وحكومة قطر – الممثلة في شباب جديد – تحدثوا عن الديمقراطية وفتحوا نوافذ لنشر الوعي والتنوير لها في بلدهم ومساحات واسعة للخلاف في الرأي وفي وجهات النظر.. وكانت أعينهم وعقولهم على مصر في كثير من تحركاتهم …وعندما يدعون علماء أو أصحاب فكر او سياسيين أو اقتصاديين أو إعلاميين لأي من فعالياتهم تكون مصر هي الدولة الأولي بالحضور المكثف لمؤتمراتهم وندواتهم .. مهما كانت أهداف هذه اللقاءات .. حتى و إن لم تأت بجديد وكان بالامكان طرحها في مصر و بدون مؤتمرات – ولكن – مجرد الحضور والزيارة يخلق روحا من الألفة بين الأشقاء ويضع حدا أدني لتقريب وجهات النظر .. وهذا هو المطلوب .. أو علي الأقل واحدا من أهداف هذه المؤتمرات والندوات .. ولن أبالغ بالقول أنهم سوف يحلوا شفرة قضايا الشرق الأوسط وانهم سوف يخرجوا أمريكا من العراق و إسرائيل من فلسطين … ولكن اجتماعهم رحمة .. وأفضل من تفرقهم .. وهو هدف يستحق ان ندعمه جميعا و نسانده.
وما تفعله السيدة حرم السيد رئيس الجمهورية في مصر من مشروعات تخدم بها المجتمع المصري لا يعيه أو يفهمه سوى المصريين الذين يشعرون بحاجتهم الي تلك المشروعات .. وبالتالي ما تقوم به الأسرة الحاكمة وعلي رأسها الشيخة موزة في قطر من مشروعات تنموية وإنشاء مؤسسات وكيانات ثقافية وعلمية .. لا يقدره ويفهمه سوى القطريين من أبناء البلد .. وهن يلقين تقديرا واحتراما إقليميا و عالميا .. فمضمار سباق الخير والمعرفة عريض وطويل ويستوعب كل الجهود … مصدره قطر أو مصر أو غيرها .. لا يهم .
لا شك ان امتلاك الثروات محنة .. و ولاية الشعوب محنة أكبر.. واختبار من الله – سبحانه وتعالي – وسيسأل عنها يوم القيامة كل الحكام و القادة ماذا فعلتم ؟؟ هل شاركتم في اعمار الأرض ؟؟ أم في خراب النفوس والذمم والمؤامرات والتخريب ؟؟
و إذا كانت دولة صغيرة مثل دولة قطر تحاول أن تجتهد و تقوم بمبادرات و مؤتمرات .. فهناك دولا أخري تملك مثل ما تملك .. لكننا لا نتذكرها .. و ليست أكثر من اسم على
خارطة الوطن العربي .. فهل تتساوى الدولتان ؟؟ فلماذا الهجوم و النقد إذا ؟؟ خاصة ونحن في اشد الحاجة الي جهود و تآزر كل الدول العربية !!
نعيب علي قطر .. والعيب فينا وبأيدينا ..وننسى انه سباق في الخير ولمصلحة شعوبنا .. سواء كان بنوايا مصرية أو قطرية فالكل يحاول أن يخلص النية لخير الأمة كلها.
و لن ننسى أبدا .. أن مصر دولة وحضارة وتاريخ .. برجالها ونسائها وشبابها .. قد تهتز لبعض الوقت .. بسبب اهتزاز بعض حكامها ولكنها قيمة كبيرة وباقية ، وفي النهاية لا يصح الا الصحيح ..

أنور عصمت السادات

عضو المجلس المصري للشئون الخارجية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

This field is required.

This field is required.