26يناير

الضريبة هي مبلغ مالي تتقاضاه الدولة من موارد الأشخاص وأرباح المؤسسات بهدف تمويل نفقات ومصروفات الدولة، أي بهدف تمويل كل القطاعات التي تصرف عليها الدولة كالتعليم والصحة وتطوير البنية ودعم بعض القطاعات الأخري. ولكي يشعر المواطنون بارتياح ويقبلوا علي السداد لابد أن يتأكدوا أن ما يدفعونه يعود عليهم بالفائدة ولا يذهب هباء. فماذا لو بددت الدولة حصيلة الضرائب أو أساءت استخدامها وتوزيعها في أوجه لا تعود بالنفع علي المواطنين؟

كان غريباً علينا أن تتجه دولة في مكانة مصر إلي تمويل قطاعات تهدف إلي تضليل الرأي العام والتأثير سلبا في مكانة مصر داخلياً وخارجياً. أقصد هنا ما تقوم به الصحف القومية وقنوات التليفزيون الرسمية التي تعطي صورة غير واقعية عن أحوالنا ومشاكلنا الداخلية وقد تقبلنا ذلك وتعايشنا معه…… ولكن علي المستوي الخارجي رأينا حالة تصعيد لم نعهدها من قبل ضد سوريا وقطر والعديد من الدول العربية وضد مواقفهم السياسية بشكل غير مسبوق خاصة في عهد الرئيس مبارك، وجاءت عناوين الصحف القومية طوال فترة الاعتداءات علي غزة كمواقف وردود أفعال للمظاهرات التي تم تنظيمها أمام السفارات المصرية في دمشق وصنعاء وبيروت، ووقوفاً بجانب موقف الخارجية المصرية الهزيل والمخزي في قضية غزة، وأزمة القمم العربية التي أظهرت الشقاق العربي وتباين المواقف تبعاً للمصالح المختلفة، في حين ظهر الجانب المصري مرتبكاً وضعيفاً وكان علي تلك الصحف التأني وإعادة النظر في الهجوم علي دول عربية شقيقة، ولكن الواضح أنها سياسة جديدة للنظام المصري تجاه الدول العربية.

وحتي لو كان لنا بعض التحفظات علي السياسات السورية في لبنان وفلسطين، إلا أننا جمعتنا سوياً وحدة عربية يوماً من الأيام وكانت شريكاً في حرب أكتوبر1973 ولها خصوصية وأهمية استراتيجية كبيرة، بالإضافة إلي قطر ودول الخليج العربي، فبرغم تحفظنا علي وجود قواعد أمريكية علي أراضيها، فإننا لا ننسي التضامن الخليجي مع مصر في معركة الكرامة واسترداد الأرض ودورها في قطع البترول عن الولايات المتحدة الأمريكية والدول المساندة لإسرائيل، الأمر الذي أجبر الغرب علي تأييد وقف إطلاق النار في وقت كانت مصر في أشد الاحتياج له، وإذا كنا نسعي اليوم إلي استعادة المكانة الإقليمية لمصر فنحن نواجه تحدياً كبيراً علي المستويين الإقليمي والدولي بعد ظهور إيران وتركيا بقوة علي الساحة السياسية في الشرق الأوسط.

فبعد انتخاب الرئيس الأمريكي أوباما أصبحنا مقبلين علي نظام دولي جديد لا نعرف توجهاته ولا نعرف من هم اللاعبون الجدد خاصة بعد إعلان الإدارة الأمريكية الجديدة أنها ستتجه للغة الحوار مع إيران وحماس، ووضح جلياً خلال أزمة غزة أننا لسنا في حاجة إلي صراعات بل نحن في حاجة إلي نوع من الحكمة والعقل لنواجه تلك التحديات الدولية التي أدت مؤخراً إلي زيادة الضعفاء ضعفاً والأقوياء قوة.

اليوم يجب أن نعلي المصالح علي الخلافات مع سوريا وقطر وحتي إيران وغيرهما ولا ننقلها من مكانة الإخوة الأشقاء لنضعهم في خندق الأعداء، فبالتأكيد مع كل تلك التحديات والأزمات التي يعيشها الوطن العربي يجدر بنا توحيد المواقف والالتفاف حول المصالح المشتركة التي تربط بيننا مع احترام كل دولة لسيادة الأخري ومراعاة مصالحها بعيداً عن التشرذم والفرقة.

نرفض التصعيد ضد سوريا التي شاركتنا مرارة الحرب و«حلاوة» الانتصار، كما أننا نرفض غلق قنوات الحوار السياسي والتفاهم الدبلوماسي، حتي وإن كانت سوريا قد نجحت في تعزيز حضورها الإقليمي، واستطاعت دخول التنافس الإقليمي كدولة فاعلة وقوة لا يستهان بها، فهذا قد يضيف إلي الدور العربي ولا ينتقص منه والحال نفسه بالنسبة لقطر ودول الخليج. والآن أصبح التعاون المبني علي تبادل المنافع واحترام السيادة ضرورة من أجل دفع الضرر ورعاية المصالح المشتركة.

ومازالت أمامنا الحالة الإيرانية وما شابها من تشنجات وحملات تصعيد متبادلة، وقد أغفلنا أن إيران دولة ذات تأثير إقليمي لها أهدافها ورؤيتها الخاصة ولها أيضا مكانة سياسية وعسكرية كبيرة.

وإذا كانت الحكومة تسعي من خلال صحفها وإعلامها لحشد الرأي العام ضد سوريا وقطر وغيرهما، فالواضح أن تلك السياسة فقدت الكثير من جدواها وفاعليتها ولم تعد تجدي نفعاً ونحذر من أن الاستمرار في هذه السياسات قد يفضي إلي عكس الأهداف المرجوة ويدفع بالأزمة إلي الذروة.

أنور عصمت السادات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

This field is required.

This field is required.