“أنا المصري كريم العنصرين بنيت المجد بين الإهرمين” استمعت لفنان الشعب سيد درويش يشدو بكلمات الشاعر العظيم بيرم التونسي، واستشعرت العزة في نبراته يفخر بذلك الزمن الجميل، زمن التسامح والارتباط بالأرض.. زمن المصري الفكاهي.. فما الذي حدث لهذه الشخصية المصرية؟؟ ربما ليس تساؤلاً بقدر ما هو حالة من الاستغراب والإستنكار.. أين ومتى بدأ هذا التراجع وعدم الإنتماء الذي نراه حاليًا -بالطبع لست أقصد التعميم– فما زال لدينا الكثير لنفخر به ولكن طغى عليه لون في غاية الكآبة حتى أصبحنا لا نرى منه سوى ظل باهت.
لم أقتنع في البداية –حقيقة– أن هناك انهيار عام وبقيت مصممًا أن ما نراه ليس إلا حالات فردية لا يُقاس بها شعب بأكمله، لكن الوقائع تثبت أن مصر لم تصل يومًا للحالة التي عليها اليوم من تدهور لمنظومة الأخلاق وتدني السلوك العام وانتشار العنف المفرط والجرائم المتوحشة والمخالفة للطبيعة الإنسانية, وتلك الأجواء مثلت إحباطًا عامًا لدى الشعب المصري ولدى الشباب تحديدًا نتيجة غياب القدوة واختفاء الرموز التي يلتف حولها الشباب لاستخلاص خبرة الماضي والإسترشاد لبناء المستقبل.
وتشير المؤشرات الأولية لحالة الإنهيار المجتمعي التي نعيشها بسبب الفقر والتضييق في الحريات أو الإتساع الكبير بين الفوارق الطبقية مما يستلزم الإستعانة بجهود علماء الإجتماع وعلم النفس السياسي وعلماء الدين الأجلاء ليجيبوا لنا عن التساؤل الذي يدور في أذهاننا جميعًا ماذا حدث للإنسان المصري؟
فالإبتسامة غابت عن الوجوه والهموم أثقلت كاهل الجميع، أصبح المتهم مُدان حتى تثبت براءته والذئب تخفى بجلد الحمل، نغفو متوجسين ما سيأتي به الغد.. إرتفاع في الأسعار.. أم كارثة لا قدر الله يغيب عنا بها صديق أو قريب.. فضيحة رشوة أو سرقة لكبير من كبار البلد لم يكتفي بما أنعم الله به عليه من ثراء وسلطة فطمع بلقمة عيش الفقراء.. إزدواجية في المعايير وتناقض في المبادئ والفهلوة تسود في جميع المجالات حتى تراجعنا إلى نهاية الأمم التي كنا قادتها وقدوتها في يوم من الأيام.
لم أتمنى قط أن أرسم صورة لبلدي بهذه السوداوية، لكن هذا هو الواقع -المرفوض- الذي نعيشه والذي أخشى ما أخشاه أن يتحول لواقع مقبول، نتعايش معه ونأبى أو نتكاسل عن تغييره، بل أتمنى أن أرى انتماء شباب مصر لعلم مصر–ليس فقط في مباريات كرة القدم– ولكن في كل الأحوال مثل شعوب كثيرة أخرى تمجد علمها ولا تستهين به أبدًا ولا تتركه بحالة مزرية مهينة فوق المباني الحكومية التي هي أولى به.
وبعيدًا عن الحزبية أو تمزق القوى السياسية فمصر تحتاج إلى نهضة وصحوة والتي لا تستقيم من دون الرجوع للقيم الدينية وإعادة بناء الإنسان المصري الذي وصل لحالة من اللامبالاة والإحباط المستمر, وهذه الحالة التي أصابته تحتاج لسرعة في الحل.
وها نحن نرى الأحكام القضائية الرادعة التي تصدر بحق الجرائم الغريبة على المجتمع المصري والتي أصبحت حديث المدينة بعد أن انتشر بها العنف والقتل والتمثيل بالجثث والاعتداء الجسدي والجنسي على الأطفال والعجائز, وكل ذلك أصبح يؤرق حياة المواطن ويهدد أمنه وسلامته.
في النهاية يجب أن نتصالح مع أنفسنا كشعب وكحكومة وكمجتمع مدني بعيدًا عن الإتهامات المتبادلة وأجواء التشكيك حتى لا يحق علينا قول الشاعر (إنما الأمم الأخلاق ما بقيت فإن هم ذهبت أخلاقهم ذهبوا).
أنور عصمت السادات
وكيل مؤسسي حزب الإصلاح والتنمية