دائمًا ما تقاس نهضة أي أمة بقدر رقيها علميًا وبالمدى الذي يصل إليه أبناؤها من وعى وثقافة بما يؤدي إلى نشأة أجيال قادرة على أن تقود مسيرة الإصلاح والتقدم من أجل مواكبة متغيرات العصر والصعود بتمكن على سلم التنمية بكافة جوانبها.
ولما كانت الميزانية المخصصة للبحث العلمي في مصر تكاد أن تكون شبه معدومة وهو الأمر الذي لا يسمح للكثير من ذوى المهارات والقدرات بمجرد التفكير في خوض هذا المجال. فإن ذلك الأمر يعد واحدًا من أخطر الآفات التي ألمت بالواقع المصري وهو ما لا ينبغي السكوت عليه من أجل الوقوف على محاور الخلل ومواطن الخطأ بتداركها وتصحيحها لأننا بالفعل, ثمة العديد من الأسئلة المنطقية الدالة على صدق ما نقول إذا ما بحثنا عن إجابة لتساؤلات هدفها البحث عن سبب وصول ميزانية البحث العلمي إلى حالة من شبه الانعدام في مصر؟
ولماذا لا تشكل الأجواء المصرية مناخًا مهيئًا يحتوي الخبرات والمعارف العالمية؟ بل والأهم… لماذا يتركنا علماؤنا ويتجهون إلى الخارج لإكمال مسيرتهم العلمية؟ والحقيقة التي لا يستطيع أحد أن ينكرها أن الأوساط الغربية وبعض البلاد العربية تعطى للبحث العلمي واحتواء الخبرات والمهارات العلمية قدرًا لا يستهان به من ميزانيتها فضلاً عن توافر الإمكانات اللازمة.
فبالمقارنة مع دول أخرى مثل الهند وكوريا وباكستان وإيران نجد أنه مع توافق بداية المسيرة إلى النهضة والتي بدأت عقب أحداث ثورة 1952 فإن هذه الدول تمكنت من إحداث طفرة في مجال التكنولوجيا والطاقة فضلاً عن المجال النووي، لذا نجد مثل هذه الدول ملاذا للعلماء حيث تهيئ لهم المناخ المناسب فتكن هي أول المستفيدين من جدوى بحوثهم وإبداعاتهم في شتى المجالات.
فأين نحن من هؤلاء؟ كما أننا أمام نقطة هامة ينبغي التركيز عليها وهي أن ذوى الكفاءات العلمية وأيضًا الرياضية وكذلك في مجال الفنون والموسيقى لا يتركون وطنهم ويذهبون للخارج أو إلى بعض البلدان العربية من فراغ لكن لأنهم يجدون هناك ما يريدون من دعم وإمكانيات، فضلاً عن جانب التقدير بكل جوانبه الذي قد يفتقدون بعض منه في مصر.
كما أن اتجاه الخارج وبعض الدول العربية وشركات القطاع الخاص بهم إلى استقطاب العلماء والنابغين والمساهمة في دعم مجالات البحوث العلمية وغيرها لا يضيع هباءً ولكن بعد ذلك يجنون ثماره الطيبة من اكتشافات قد تقلل مثلاً الوقت اللازم لإنجاز صناعة ما أو تزيد من كفاءة مصانعهم وشركاتهم الإنتاجية والتسويقية.
وبناءً على ذلك فإننا بحاجة إلى وقف سيل الطيور المصرية المهاجرة فمصر تحتاج لأبنائها فإلى متى سنظل ننتظر؟ كما أنتهز الفرصة وأدعو الجميع لنبحث معًا عن جذور المشكلة ونحاول سريعًا تقديم الحلول والبدائل من خلال حلقات نقاشية نتبادل فيها الرؤى والأفكار.
وأدعو أيضًا للتشجيع الدائم وإقامة المسابقات للموهوبين وذوي القدرات في كل المجالات, وأناشد الحكومة المصرية بتخصيص ميزانية كافية للبحث العلمي وأيضًا شركات القطاع الخاص بأن تسهم بجزء من أرباحها للبحث والابتكار بما يكفل الحفاظ على علماؤنا من خطر الاستقطاب العربي والخارجي والاستفادة من خبراتهم وقدراتهم التي نحن في أمس الحاجة إليها.
كما أنادى أيضًا بفتح المجال أمام ذوى المواهب والقدرات والكفاءات العلمية من الشباب المصري خاصةً طلبة كليات العلوم ورعايتهم حتى نتيح لهم الفرصة ونكفل لهم ثقافة التكرار والتجريب ومحاربة الفشل والتحدي للوصول للهدف وذلك من أجل تنمية وإعداد كوادر علمية مؤهلة قد تصبح في المستقبل فخرًا لنا. فكم من عالم لم ينل قدره في مصر لكنه وجده في الخارج, وكم من بحوث واكتشافات لم تجد عندنا للأسف سوى سلة المهملات لكنها حظيت بمكانتها الرفيعة داخل المجتمع الدولي, وكم من أرفف مليئة بمثل هذه الأبحاث لا تجد عليها إلا التراب. فهل سوف تستجيب لنا حكومتنا المصرية؟
info@el-sadat.org