في مشهدٍ سياسيٍ وانتخابيٍ بالغ التعقيد، تتقاطع فيه التحالفات وتتصاعد فيه الرهانات بين أطراف المشهد المصري، تفرض التطورات الجيوسياسية والاستراتيجية في الإقليم ظلالها الثقيلة على الداخل، لتجعل من كل استحقاق سياسي جديد اختبارًا حقيقيًا لقدرة القوى المدنية والحزبية على البقاء والتأثير.
وسط هذا المشهد المتشابك، تتجه الأنظار إلى من يوصفون بـ”مهندسي المشهد الانتخابي”، ممن راكموا خبرة طويلة في إدارة اللحظات الانتقالية، وصاغوا معادلات التوازن بين الواقع السياسي ومتطلباته، وبين سقف الممكن وحدود المسموح به في المجال العام.
من بين هؤلاء يبرز اسم محمد أنور السادات السياسي البارز رئيس حزب الإصلاح والتنمية عضو المجلس القومي لحقوق الإنسان وأحد أبرز قادة ما يُعرف باسم “الحيز المتاح”؛ وهو التيار الذي اختار البقاء داخل المعادلة السياسية ومحاولة إصلاحها من الداخل، رغم كل القيود والمحددات.
في هذا الحوار الجديد من سلسلة حوارات “سجال برلمان 2025″، تلتقي فَكّر تاني مع السادات في حديث صريح حول ملامح المرحلة المقبلة، وتوازنات السلطة والمعارضة، وحدود الحراك السياسي الممكن، ورؤيته لما ينتظر مصر من استحقاقات دستورية وانتخابية في ظل واقع إقليمي متحوّل وضاغط.
إلى نص الحوار:
انفراجة كبيرة قريبة
نبدأ بمشهد "اتفاق شرم الشيخ". كيف رأيت هذا الحدث؟
مصر تستحق أن تحتفي بما تحقق في شرم الشيخ؛ فهناك من كان يُشكك في دورها، ويرى أنها مطالَبة باتخاذ مواقف أكثر حزمًا وصلابة.

من يدير المشهد يُدرك حجم المسؤولية الملقاة على عاتقه، ويعي أن في عنقه أمانة شعبٍ بأكمله، ولا يريد الانزلاق إلى مواجهات قد يدفع الجميع ثمنها في ظل أوضاع اقتصادية واجتماعية دقيقة.
لقد عانينا كثيرًا خلال العامين الماضيين، وكان لأهلنا في غزة وفلسطين النصيب الأكبر من هذه المعاناة.
برأيك.. هل يمكن أن ينعكس ما حدث في شرم الشيخ إيجابيًا على المجال العام في مصر؟
بالتأكيد. أتوقع أنه بعد أن نطمئن إلى تنفيذ بنود الاتفاق الذي جرى في شرم الشيخ خلال الأيام المقبلة – سواء في مرحلته الأولى أو المراحل اللاحقة – سيكون لذلك أثرٌ بالغ على الأوضاع السياسية والحقوقية، بل والاقتصادية أيضًا داخل مصر.
أرى أن هناك فرصة حقيقية لانفراجة واسعة وسلسلة من النجاحات، إذا ما امتلكنا القدر الكافي من الذكاء السياسي الذي يمكّننا من استثمار هذا الظرف الاستثنائي.
علاج آثار "الشيوخ"
بالحديث عن الذكاء السياسي، هل ترى في تحالفكم هذه المرة مع القائمة الوطنية قدرة على مداواة ما وصفه مراقبون بـ"جروح انتخابات الشيوخ" وآثارها؟
تجربتنا في انتخابات مجلس الشيوخ لم تخلُ من السلبيات، لكنها في الوقت نفسه كانت تجربة ثرية ومليئة بالدروس. وأعتقد أن الاستراتيجية تغيّرت هذه المرة، إذ يجري بالفعل إعادة النظر في آليات إدارة العملية الانتخابية وتنظيمها وترتيبها.
نلمس هذا الآن على مستوى القائمة الوطنية، وكذلك على مستوى المقاعد الفردية، التي تم التوافق مع تحالف الأحزاب المشاركة على أن تُترك للأحزاب المعارضة والمستقلين. جميع الدوائر باتت مفتوحة أمام من يرغب في الترشح، باستثناء عدد محدود من الدوائر سيُترك للمنافسة بين المستقلين وأحزاب المعارضة.

اتفاق الأربعين مقعدًا
ذكرت اتفاقًا بينكم وبين الموالاة على ترك 40 مقعدًا فرديًا. ما كواليس هذا الاتفاق؟ وهل من بين المرشحين شخصيات بارزة من تحالفكم الفردي "الطريق الديمقراطي"؟
هذه الدوائر سيخوضها عدد من الشخصيات البارزة، سواء من المستقلين مثل ضياء الدين داوود وأحمد الشرقاوي، أو من الحزبيين مثل عبد المنعم إمام رئيس حزب العدل، وغيرهم كثير.
في هذا فرصة حقيقية لمرشحي المعارضة والمستقلين، نظرًا لغياب المنافسة المباشرة مع ممثلي الأحزاب الكبرى. وأتوقع أن نشهد، بين القوائم والمقاعد الفردية، ما لا يقل عن مئة نائب من صفوف المعارضة والمستقلين، وهو تطور إيجابي في حد ذاته، لأن الناس بحاجة إلى سماع صوت مختلف وصوت معارض، وإن شاء الله يتحقق ذلك.
الحيز المتاح والقائمة الوطنية
في القائمة الوطنية، ما عدد المقاعد التي اتفقتم عليها كأحزاب حيز متاح؟
المتوسط بالنسبة للأحزاب الثلاثة في تحالف التيار الديمقراطي قرابة 9 مقاعد لكل حزب. هذا بخلاف المقاعد الفردية التي ستدخل في حيز المنافسة.

هل يليق بالبرلمان المصري إجراء الانتخابات بقائمة واحدة دون منافسة؟
بالتأكيد لا. كنا نتمنى أن تكون هناك قوائم أخرى تخوض المنافسة، لكن للأسف لم تتوافر القدرة على ذلك.
ورغم أنني سمعت مؤخرًا عن محاولات لتجهيز قائمة قد تُطرح في اللحظات الأخيرة، فإنني أستبعد حدوث ذلك.
منذ البداية، وأثناء مناقشات قانون الانتخابات، كنا نأمل في اعتماد نظام القوائم النسبية، لأنها تتيح مساحة أوسع لجميع الأحزاب للتحرك والمشاركة. لكن ما جرى إقراره في النهاية هو نظام القوائم المطلقة المغلقة.
كنا نطمح – كأحزاب معارضة – إلى امتلاك القدرة على تشكيل قوائم خاصة بنا، لكن يبدو أن هذا الأمر لا يزال صعبًا، لأنه يحتاج إلى كوادر مؤهلة ومرشحين وتمويل كافٍ، وهي عناصر لم تكن متوفرة بالقدر المطلوب.
اتهامات "هندسة الانتخابات"
البعض يرى تفاهماتكم مع أحزاب الموالاة شكلًا من "الهندسة الانتخابية"، وأن الانتخابات حُسمت قبل أن تبدأ..كيف ترد؟
ليس بالضرورة. لكن يغلب علينا دائمًا جانب الشك والتشكيك.
الدليل أن تفاهماتنا معهم أسفرت عن إعادة النظر وترك عدد من المقاعد الفردية التي تحدثت عنها سابقًا.
لقد فُتحت مساحة المشاركة هذه المرة ليس فقط أمام أحزاب الطريق الديمقراطي، بل أيضًا أمام أحزاب أخرى مثل التجمع والوفد، وغيرها من القوى التي حظيت – وإن بدرجات متفاوتة – بفرص في القائمة الوطنية، إلى جانب إتاحة المجال أمامها لترشيح ممثلين على المقاعد الفردية والمنافسة عليها.

تحالفات المعارضة
لماذا أخفقت المعارضة فيما نجحت فيه الموالاة: التنسيق داخل الدوائر الفردية؟
هذا ليس جديدًا. فغياب التنسيق والتوافق بين أحزاب المعارضة مسألة ممتدة منذ سنوات، وظهرت بوضوح في أكثر من محطة سياسية.
يرجع ذلك إلى تباين الأفكار والأيديولوجيات، ما يجعل الوصول إلى صيغة مشتركة أمرًا بالغ الصعوبة.
كما أن كثيرًا من أحزاب المعارضة ما زالت أسيرة أفكار كلاسيكية قديمة لا تتناسب مع إيقاع العصر ومتغيراته.
الطريق الديمقراطي
بالنسبة لتحالف أحزاب الحيز المتاح: الطريق الديمقراطي.. أين وصل وهل سيتدارك إخفاق تجربة انتخابات الشيوخ؟
شكّلنا لجنة من مسؤولي الانتخابات في الأحزاب الثلاثة، عقدت أكثر من اجتماع، تم خلالها تحقيق قدر من التنسيق والتوافق حتى لا يتكرر سيناريو ترشّح أكثر من اسم قوي في الدائرة نفسها من داخل التحالف.
انتهينا إلى توزيع المرشحين بما يحقق أكبر قدر من التوازن والتفاهم.
بالنسبة لنا في حزب الإصلاح والتنمية، لدينا نحو 22 مرشحًا تقدموا بأوراقهم رسميًا، موزعين على مختلف محافظات الجمهورية. والأمر نفسه ينطبق على الحزب المصري الديمقراطي الاجتماعي وحزب العدل.

الموقف من الحركة المدنية
في جلسة حوارية لـ فَكّر تاني، أعرب ممثل حزب المحافظين محمد تركي، عن دهشته من استمرار حزب الإصلاح والتنمية في عضوية الحركة المدنية، رغم انطباق قرار التجميد عليه كما حدث مع حزبي العدل والمصري الديمقراطي. ما تعليقك؟
أنا حريص دائمًا على “شعرة معاوية” مع الحركة المدنية.
عندما شارك الحزب في القائمة عام 2020، أوضحت موقفي وأسبابي بوضوح، وكانت محل تفهم من جميع أعضاء الحركة.
ولرفع الحرج عنهم، أعلنت من جانبي تجميد عضويتي، وقد قُبل هذا الموقف بروح طيبة. لكن بعد فترة، وجَّهت لي الدعوة مجددًا وبدأت أشارك في الاجتماعات.
العلاقة ما تزال طيبة مع أغلبهم، حتى وإن اختلفنا في بعض الأفكار والسياسات، يبقى الاحترام قائمًا ومتبادلًا.
الحيز المتاح والحركة المدنية
هل نجحت فكرة أحزاب الحيز المتاح سياسيًا فيما تعثرت فيه الحركة المدنية وقد عادت للمشاركة الانتخابية بعد مقاطعة الشيوخ؟
داخل أحزاب الحركة المدنية شخصيات سياسية مخضرمة تدرك المشهد جيدًا. لكننا رأينا أن وجود مساحة للتواجد وسماع الصوت والتمثيل داخل البرلمان بغرفتيه فرصة لا ينبغي تفويتها.
كان هذا رأينا منذ البداية، وتواصلت معهم حتى اللحظات الأخيرة قبل انطلاق انتخابات الشيوخ، وقلت لهم بوضوح: “أرى أننا يجب أن ننتهز الفرصة ونشارك جميعًا، أيا كان حجم التمثيل”.
البعض تمسّك بموقفه المبدئي في المقاطعة، وأنا احترمت ذلك. لكنني استأذنتهم في أن حزبي يتعرض لضغوط، وأنني أرغب في التمثيل والمشاركة، وقد تقبّلوا هذا الموقف باحترام.
شراء الكراسي البرلمانية
يتكرر كثيرًا الحديث عن شراء المقاعد البرلمانية وسطوة المال السياسي. كيف تواجهون هذه الظاهرة كأحزاب؟ وهل شاركتم القلق من تصاعدها مع أحزاب الموالاة؟
دعني أكون صريحًا: موضوع المال السياسي وشراء المقاعد حديثٌ قديم يتردد في كل موسم انتخابي، وغالبًا ما يخرج من أشخاص لم تُتح لهم فرص داخل أحزابهم، فيردّدون هذا الكلام.
وهذا لا يعني أنه لا يحدث.
نعم، هناك تجاوزات تقع أحيانًا، وهذا أمر وارد. ولكن لدينا لجنة شؤون الأحزاب والهيئة الوطنية للانتخابات، وهما جهتان تملكان صلاحية اتخاذ الإجراءات بحق أي حزب يثبت أنه مارس أساليب غير مشروعة في اختيار مرشحيه، فضلًا عن أجهزة الدولة التي تتابع ما يجري عن قرب.
الواقع أن المال السياسي موجود، سواء في مرحلة الترشح أو الحملات الدعائية، في المقاعد الفردية أو داخل القوائم، لكن المعيار الحقيقي هو أن أي مخالفة واضحة وصريحة يجب أن تُواجَه بالمحاسبة.
بالفعل، نقلنا هذا القلق خلال جلسات التفاوض، وأثرنا مسألة تصاعد المال السياسي، خصوصًا مع تردّد أسماء رجال أعمال كبار يُقال إنهم أنفقوا مبالغ ضخمة. غير أن بعض الأحزاب تبرّر ذلك بأنه يدخل في إطار التبرعات الانتخابية المعمول بها في دول كثيرة.
في النهاية، هذا الموضوع طُرح بصراحة، وكل حزب قدّم رؤيته وموقفه منه بوضوح تام.

شكاوى الأحزاب الفقيرة
في المقابل، هناك أحزاب توصف بـ"الفقيرة" اشتكت من ارتفاع الرسوم الانتخابية. ما دلالة هذا المشهد في رأيك؟
من الطبيعي أن نجد في أي حياة سياسية أحزابًا تعاني من ضعف الموارد، وندرة الاشتراكات، وغياب التبرعات. لكنني أتصور أن حتى هذه الأحزاب تمكنت في النهاية من تدبير أمورها، ودفعت بمرشحين سواء على القوائم أو المقاعد الفردية.
هذا يعني ببساطة أنها وجدت مصادر تمويل، أو ابتكرت آليات تسمح لها بخوض التجربة وعدم الغياب عن المشهد الانتخابي.
المرأة والانتخابات
بعض النساء يرين أن هناك مظلومية للمرأة في الانتخابات بمصر.. ما تقييمك لذلك؟
في تقديري، هناك تحسن واضح، ليس فقط على صعيد الانتخابات البرلمانية أو الشيوخ، بل أيضًا في مواقع المسؤولية التنفيذية، فنحن نرى اليوم وزيرات ومحافظات وقاضيات وسفيرات، وهو ما يعكس تحولًا ملموسًا في وضع المرأة ودورها العام.
لقد تغيرت مكانة المرأة في المجتمع المصري تغيرًا كبيرًا، وحصلت على مساحة أوسع من المشاركة والتمثيل.
أما في البرلمان، فهناك نسب محددة تُراعي تمثيل المرأة والشباب، وهو ما التزمت به القائمة الوطنية، حيث جاء نصف مرشحيها من النساء، والنصف الآخر من الرجال. بمعنى أن المرأة “محسوب حسابها”، لأنها بحق عماد المجتمع وأساس توازنه.
قانون الإجراءات الجنائية
برلمانيًا.. ثمنتَ قرار الرئيس بإعادة "قانون الإجراءات الجنائية" إلى المداولة مجددًا رغم أن حزبك كان قد وافق عليه. لماذا؟
بدايةً، حزب الإصلاح والتنمية كان متحفظًا على عدد من المواد، وقدّم تعديلات لم يُؤخذ بها، لذا أرى أن الرئيس أحسن صنعًا بإعادة القانون لمناقشة بعض مواده مرة أخرى.
فهذا القانون من القوانين الجوهرية التي تمس الحريات العامة وكرامة المواطن في مسكنه وتنقلاته، وهو أمر شديد الأهمية.
وأعتقد أنه ينبغي الانتهاء من مناقشة هذه التعديلات خلال الفصل التشريعي الحالي، بما يضمن تحقيق أكبر قدر من الضمانات للمواطن، وألا يُرحَّل هذا الملف إلى البرلمان الجديد.

حاجة ملحة لقانون الإجراءات الجنائية
هل الأفضل ترك قانون الإجراءات الجنائية للبرلمان القادم كما يطالب بعض الحقوقيين البارزين رفعًا للحرج؟
لا، الأفضل حسمه الآن. فالحاجة إلى هذا القانون باتت ملحّة، وهناك كثيرون ينتظرونه باعتباره خطوة نحو انفراجة حقيقية، تعيد ترتيب أوضاع المحبوسين احتياطيًا والممنوعين من السفر.
بطبيعة الحال، أتفهم موقف الحقوقيين الذين يطالبون بإعادة صياغة فلسفة القانون من جذورها، وأقدّر وجهة نظرهم، لكنني أرى أن الأجدى اليوم هو إقرار التعديلات التي يمكن أن تُحدث أثرًا فوريًا وتفرج عن أناس ينتظرون منذ سنوات، بدلًا من التأجيل لعام أو عامين آخرين.
وأود أن أؤكد قاعدة مهمة: العبرة ليست بسنّ القوانين، فلدينا بالفعل واحد من أرقى الدساتير في العالم من حيث النصوص التي تكفل الحقوق والحريات والكرامة، لكن الفيصل الحقيقي هو في التطبيق والالتزام. لذلك أرى أن نُنجز هذا القانون الآن، لأن أثره سيكون مباشرًا وملموسًا، وهذا في حد ذاته مكسب مهم.
قانون الإيجار القديم
طالبتَ بإعادة النظر في قانون الإيجار القديم.. هل ترى ذلك ممكنًا، وهل سيكون ضمن أجندة حزبك في البرلمان القادم؟
نعم، هذا حق مشروع. فالحكومة يمكنها أن تعيد النظر وتطلب تعديلًا، خصوصًا فيما يتعلق بالمادة التي أغفلت الإشارة إلى الفقرة التي تناولتها المحكمة الدستورية في حكمها بشأن تحرير القيمة الإيجارية، إذ إن الحكم لم يتطرق إلى مسألة الإخلاء أو الطرد مطلقًا.
وحاليًا، هناك بالفعل دعاوى منظورة أمام المحكمة الدستورية العليا تطعن في دستورية هذا النص.
لكنني أرى أن الحفاظ على السلام الاجتماعي والنسيج المجتمعي يقتضي إعادة النظر في هذا القانون، لأنه يمس شريحة واسعة جدًا من المصريين، ليس فقط في القاهرة والمدن الكبرى، بل أيضًا في المحافظات. فالأمر لا يتعلق بالسكن فقط، بل يمتد إلى عيادات الأطباء والصيدليات ومقار الأنشطة التجارية، وهذه كلها ملفات شديدة الحساسية تحتاج إلى معالجة متأنية ومتوازنة.
حل أزمة قانون الإيجار القديم
وما الحل من وجهة نظرك لتحقيق هذا التوازن؟
أنا بطبيعة الحال مع حرية الملكية الخاصة وأحترمها، ومن حق أصحاب الأملاك أن يحصلوا على عائد عادل ومجزي لممتلكاتهم، فهذا حق لا جدال فيه. لكن في المقابل، هناك مستأجرون استقرت أوضاعهم منذ سنوات طويلة، فإلى أين سيذهبون؟ وهل الدولة قادرة على توفير سكن بديل لهم؟
من هنا أرى أن الأمر يتطلب إعادة نظر شاملة تحقق التوازن في العلاقة بين المالك والمستأجر، بحيث يحصل المالك على حقه كاملًا، ويُتاح للمستأجر أن يستمر في سكنه مقابل أجر عادل ومعقول.
أما الإخلاء والطرد، فينبغي أن يُحصر في الحالات الواضحة والمحددة، كأن يمتلك المستأجر أكثر من وحدة سكنية، أو يعيش خارج البلاد ويغلق الشقة، فهنا من حق المالك أن يسترد عقاره. لكن بخلاف ذلك، يجب أن نراعي البعد الاجتماعي والإنساني، وأن تُدار هذه القضية بحكمة واتزان.
المطالبة بإقالة المستشار محمود فوزي
طالب حزبك بإقالة المستشار محمود فوزي في وقت وصفه البعض بـ"القاتل السياسي"، فهل هذا مؤشر على قرب رحيله والحكومة بأكملها؟
دعنا نتحدث بصراحة. المستشار محمود فوزي صديق وأعرفه منذ سنوات طويلة، لكن كان لديّ بعض الملاحظات على ما جرى في ملف قانون الإجراءات الجنائية، سواء خلال جلسات الحوار الوطني، حيث كان من أكثر المتحمسين والمدافعين عن بعض المواد، أو في مداولات البرلمان ومواقفه هناك بصفته ممثلًا للحكومة ووزيرًا للشؤون القانونية والبرلمانية. ومن هذا المنطلق جاءت مطالبتنا.
لكن ذلك لا ينفي أنه أدى أدوارًا متميزة في ملفات أخرى، خصوصًا ما يتعلق بشؤون الأحزاب والتواصل السياسي، حيث كان حاضرًا ومتعاونًا.
أما فيما يخص الحكومة ككل، فأنا أرى أن الدستور ينص بوضوح على أن انتهاء الانتخابات البرلمانية يستتبع تشكيل حكومة جديدة، وهو الإجراء الدستوري الطبيعي. لذلك، من المرجح أن نشهد حكومة جديدة مع نهاية ديسمبر أو مطلع يناير، خاصة وأن هناك – كما نسمع – تقييمًا شاملًا يجري لعدد من الوزراء، وقد لا يستمر بعضهم في التشكيل المرتقب.
المجلس القومي لحقوق الإنسان
ننتقل إلى المشهد الحقوقي، حيث يلاحظ نشاط حقيقي للمجلس القومي لحقوق الإنسان، خاصةً في تعامله مع قضايا مثل العفو عن علاء عبد الفتاح. هل ترى هذا الحراك مؤقت أم يعكس استراتيجية جديدة؟
أطمئنك وأطمئن المتابعين، ما يجري هو جزء من استراتيجية جديدة وليست خطوة مؤقتة.
فقد جرت بالفعل لقاءات وتفاهمات ومشاورات موسعة، أوضحنا خلالها لكل الجهات المعنية بإدارة المشهدين السياسي والحقوقي في الدولة ضرورة التعامل مع الملف الحقوقي بجدية أكبر وبمرونة أوسع، لأن المسألة في جوهرها ليست معقدة كما يُصوَّر.
وبالفعل لمسنا خلال الفترة الماضية درجة أكبر من القبول والاستجابة في كثير من الحالات، ليس فقط في قضية علاء عبد الفتاح – التي حظيت بتغطية أكبر لكونه شخصية معروفة – بل في عشرات الحالات الأخرى التي تم الإفراج عنها لأسباب قانونية وإنسانية. وهناك حالات جديدة قيد الدراسة، وسنشهد انفراجات إضافية قريبًا إن شاء الله.
كما نعمل حاليًا على تصور محدث لاستراتيجية وطنية جديدة لحقوق الإنسان، نظرًا لأن الاستراتيجية الحالية التي أُطلقت قبل أربع سنوات ستنتهي في عام 2026، ونسعى في النسخة الجديدة (2026–2030) إلى معالجة كل النقاط التي لم تكن واضحة أو فاعلة بما يكفي في النسخة السابقة، لضمان تطوير منظومة أكثر تأثيرًا وواقعية.
ملف المحبوسين والمصريين بالخارج
ماذا عن ملف المحبوسين احتياطيًا وسجناء الرأي، ومبادرة عودة المصريين من الخارج؟
نعمل عليهما. تحدث الآن حالات فردية كثيرة لعودة مصريين من الخارج، وكذلك إفراجات عن محبوسين احتياطيًا. أما المبادرة الجماعية، فنحن نعمل عليها ونتمنى أن ترى النور قريبًا بعد هدوء الأوضاع. حتى الشباب الذين تم حبسهم لدعم القضية الفلسطينية، لا بد أن تسوى هذه الأوضاع، فليس لها مبرر، ونتوقع أن يحدث هذا في فترة قريبة جدًا.
طلب من المفرج عنهم
بعد خروج علاء عبد الفتاح، صُدمت منظمات حقوقية بإعادة القبض على الصحفي إسماعيل الإسكندراني ثم استنكرت نقابة الصحفيين إعادة حبس الصحفية صفاء الكوربيجي. كيف ترى ذلك المشهد؟
أعتقد أن هذه المسألة ستنتهي، ولن تكون هناك هذه الحساسية.
لكن في المقابل، نحن نقول لمن يفرج عنهم، يجب أن تكون هناك قراءة للمشهد. لا أحد يطلب منك تغيير قناعاتك، ولكن يجب أن تكون هناك حكمة. يجب أن نكون قارئين للواقع الذي نعيشه.
الحوار الوطني
البعض يتساءل عن مصير تجميد الحوار الوطني، وهل يمكن أن يشهد عودة حقيقية؟
أرى هناك فرصة قائمة، وقد سُئلت عن ذلك من أعلى مستوى في الدولة، فأوضحت أن أي عودة للحوار يجب أن تكون بمنهج مختلف وشكل جديد، بحيث تُترجم نتائجه وتوصياته إلى تنفيذ فعلي وجاد، حتى يصدّقه الناس ويقبلوا عليه.
ما حدث في الجولة الأولى أن أغلب التوصيات لم تُنفذ، ما جعل كثيرين يشعرون بأنه مجرد “مكلمة” بلا جدوى.
إذا أردنا حوارًا وطنيًا جادًا – ونحن بحاجة دائمة إليه – فيجب أن نُصغي بصدق لبعضنا البعض، لكن الأهم أن نرى ثمار هذا الحوار على الأرض في صورة قرارات وإجراءات ملموسة.
البرلمان القادم
هناك من يرى أن البرلمان المقبل سيكون "برلمان الجمهورية الجديدة"، وربما يشهد تعديلات دستورية، فيما يعتقد آخرون أنه مجرد "برلمان مُهندس" على غرار برلمان 2010. كيف أراه؟
أقول: دعونا لا نسبق الأحداث، فنتائج الانتخابات وحدها ستكشف الصورة. قد تُفرز العملية أصواتًا مستقلة ذات مواقف حقيقية، وفي النهاية سيبقى البرلمان مؤسسة أساسية من مؤسسات الدولة سنتعامل مع واقعها كما هو.
أما الحديث عن التعديلات الدستورية، فاحتمال مطروح وغير مستبعد، فهو حق دستوري للنواب أن يقترحوا تعديلًا في أي مادة، كما أن رئيس الجمهورية يملك الحق ذاته في طلب تعديل مواد محددة يُستفتى عليها الشعب. لذا، من الأفضل أن ننتظر ونرى قبل إطلاق الأحكام.
نحتاج إلى انفتاح أكبر
ما النصيحة الأبرز التي تقدمها لأصحاب القرار في هذه الفترة؟
نحتاج إلى أن يُدار المشهد بانفتاحٍ أكبر على الجميع. يجب أن نستمع إلى بعضنا، خصوصًا إلى الخبراء والمتخصصين في كل مجال.
لدينا مشكلات في المياه والاقتصاد وعلاقاتنا الإقليمية. ومصر مليئة بأصحاب الخبرات، ويجب أن ندعوهم ونستمع إليهم، وأن تخرج حلولهم لتُنفَّذ وتُطبَّق، لا أن تُؤخذ وتُركن.

المشاركة هي الأمل
ما رسالتك للناخبين والناخبات في ظل دعوات البعض لمقاطعة ما يصفونها بـ"انتخابات معدة سلفًا"؟
أنا أتبنى دائمًا الإيجابية والتفاعل مع الأحداث، وفي القلب منها الانتخابات. يجب أن ينزل الناس ويشاركوا ويدلوا بأصواتهم، أياً كان اختيارهم. هذا حق دستوري وواجب وطني.
أما بالنسبة لي كحزب، فأعتبرها فرصة تدريب لأعضائنا وشبابنا؛ ينزلون إلى الميدان، ويرون الحملات الانتخابية، ويتابعون ما يجري في الدوائر. من المهم أن يعيشوا هذه التجربة.
لا يمكن أن أقول للشباب الذين نحثهم على المشاركة “لا تشاركوا”. حتى لو لم يعجبني القانون، أو رأيت أن البرلمان “مهندس” كما يقال، لا بد أن أعود الناس على النزول والمشاركة. السلبية لا تفيد.
إنصاف الرئيس السادات
في الختام، وبمناسبة شهر أكتوبر وذكرى النصر المجيد، ماذا تقول عن الرئيس الراحل أنور السادات في ظل السجال المتكرر بين أنصاره وخصومه؟
الأيام والتاريخ ينصفان الرئيس السادات يومًا بعد يوم، وهذا ليس تحيزًا. فبعيدًا عن صلة الرحم، تثبت الوقائع أن هذا الرجل امتلك رؤية وشجاعة مكّنتاه من اتخاذ القرار الذي رأى فيه مصلحة شعبه وبلده، وهو يعلم أنه قد يدفع ثمنه.

كل زعيم يُختلف ويُتفق عليه، فهو ليس نبيًا، لكن لا ينبغي أن نجور على حق أحد أو نتهمه بالباطل.
أتمنى من الجميع، حتى من يختلفون معه أيديولوجيًا، أن يراجعوا مواقفهم بحيادية وإنصاف.