– نطالب بالإفراج عن المحبوسين احتياطيًا
– لا أحد ينجو من المعاناة حتى الأغنياء
– الحوار الوطني خيّب الآمال وفقد مصداقيته لغياب التنفيذ
– لا أنشر ضغوطاتي في الإعلام.. ولكن هناك استجابات حقيقية تمت بهدوء
– نحتاج إلى ثقافة مجتمعية جديدة في التعامل مع السياح
في ظل تعقيدات المشهد الاقتصادي والاجتماعي الذي تمر به مصر، تتصاعد الأصوات المطالبة بإعادة النظر في أولويات السياسات العامة، ليس فقط لإنقاذ ما يمكن إنقاذه، بل لمنع انهيارات مجتمعية وشيكة باتت ملامحها واضحة للجميع. وفي هذا السياق، يخرج النائب محمد أنور عصمت السادات، أحد أبرز الأصوات السياسية والحقوقية، ليضع إصبعه على الجرح، محذرًا من أن المواطن المصري – بمختلف طبقاته – يعيش على حافة الانفجار، في ظل ضغوط غير مسبوقة، وتحولات عميقة تهدد البنية الاجتماعية، وتدق ناقوس الخطر. فمن ارتفاع الأسعار، إلى تآكل الطبقة الوسطى، وامتداد الهجرة حتى بين الكفاءات، وصولًا إلى ظواهر عنف وأسرة مقلقة… حديث السادات لا يحمل فقط تشخيصًا للواقع، بل دعوة عاجلة لإصلاح جذري، تتشارك فيه الدولة والمجتمع بكل مؤسساته.
أكد النائب محمد أنور عصمت السادات، رئيس حزب الإصلاح والتنمية ورئيس لجنة الحقوق المدنية والسياسية بالمجلس القومي لحقوق الإنسان، أن المواطن المصري، بمختلف فئاته الاجتماعية، يعيش حالة من الضغط والغضب المتزايد، نتيجة الأوضاع الاقتصادية المتراكمة، وتراجع الاستجابة لمتطلبات الواقع المتغير، محذرًا من تصاعد ظواهر مجتمعية غير مسبوقة قد تقود إلى تفكك في النسيج الاجتماعي.
وأوضح السادات في تصريحات لـ”الموقع“، أن ما عاناه المصريون خلال السنوات الثلاث أو الأربع الماضية، من قرارات اقتصادية صعبة مثل رفع الدعم، وتحرير سعر الصرف، وارتفاع الأسعار، أثّر سلبًا على جميع شرائح المجتمع، مؤكدًا: “لا يمكن القول إن التأثير طال فقط محدودي الدخل أو الطبقة المتوسطة، بل حتى الأغنياء أصبحوا يشعرون بوطأة التغيرات، فحالة الغليان في الشارع ناتجة عن ضغوط اقتصادية متراكمة طالت الجميع”.
وأشار إلى أن الإجراءات الاقتصادية التي التزمت بها الدولة نتيجة اتفاقاتها مع صندوق النقد الدولي، والبنك الدولي، والاتحاد الأوروبي، رافقتها إصلاحات اقتصادية وسياسية وحقوقية، لكن تكاليف هذه الإصلاحات أُلقيت بالكامل على كاهل المواطن، مضيفًا: “رفع الدعم عن الكهرباء والمياه والوقود، إلى جانب السلع الغذائية الأساسية، دفع الناس إلى حالة من الغضب والارتباك، وأصبحوا عاجزين عن تسيير حياتهم، وهذه الحقيقة لا يمكن تجاهلها”.
وأضاف السادات أن ما نشهده حاليًا من تغيرات اقتصادية قد أفرز تحولات اجتماعية خطيرة تتصاعد بسرعة، أبرزها ازدياد العنف الأسري، وارتفاع نسب الطلاق، والبطالة، والانتحار، مؤكدًا: “هذه ليست مجرد مؤشرات عابرة، بل تحولات مقلقة للغاية، فحتى الجرائم مثل الخطف وطلب الفدية باتت أكثر شيوعًا، وهي مظاهر لم تكن مألوفة بهذا الشكل، ما يستدعي القلق والتحرك الجاد”.
وأكد أن التصدي لتلك الظواهر لا يمكن أن يتم بشكل معزول، بل ضمن مقاربة شاملة، وقال: “الأزمة ليست اقتصادية فقط، بل اجتماعية ونفسية أيضًا، لذا على الدولة أن تضع الحماية الاجتماعية في مقدمة أولوياتها، إلى جانب دعم المجتمع المدني، والمراكز البحثية المتخصصة في علم النفس والاجتماع، فالكثير من المبادرات أُطلقت لبناء الإنسان وتعزيز الوعي، لكنها لم تتجاوز حدود الشعارات، ويجب أن تتحول إلى واقع ملموس”.
وفي حديثه عن الهجرة غير الشرعية، شدّد السادات على أن الظاهرة لم تعد مقتصرة على الفئات الفقيرة أو العمالة الفنية فقط، بل باتت تشمل أصحاب المهن الرفيعة كالطبيب والمهندس والمدرس، مضيفًا: “عندما يجد الطبيب أو المهندس نفسه مضطرًا للهروب خارج البلاد، فذلك مؤشر خطير على وجود أزمة مجتمع حقيقية، تحتاج إلى تكاتف الدولة والقطاع الخاص والمجتمع المدني”.
أما عن استجابة الدولة للقضايا التي تُثار عبر وسائل التواصل الاجتماعي، خاصة ما يتعلق بالنشطاء السياسيين، فشدد السادات على ضرورة أن تتحلى الدولة بالحكمة والمرونة، وتحديدًا في قضايا حرية الرأي والتعبير، متابعًا: “أنا لا أتحدث فقط عن شخصيات معروفة مثل علاء عبد الفتاح، بل عن مئات الشباب غير المعروفين، هؤلاء بحاجة إلى رعاية وإنصاف”.
وأضاف: “هناك أسر انهارت، وتفكك أسري متزايد، وأشخاص رهن الحبس الاحتياطي منذ سنوات دون صدور حكم، ولا تورط في عنف أو سلاح، لدينا قانون للحبس الاحتياطي، ومن لا تنطبق عليه شروط الحبس، يجب الإفراج عنه فورًا، خصوصًا مع اقتراب المناسبات الدينية والعيد، فأتمنى أن يعود هؤلاء إلى أسرهم في أسرع وقت”.
ودعا السادات إلى ما وصفه بـ”تبييض السجون”، موضحًا: “طالما أن مصر تنعم بالاستقرار والأمان، فقد حان الوقت للتمييز بين من ارتكب جريمة حقيقية، ومن سُجن احتياطيًا دون دليل كافٍ أو لأسباب بسيطة، نحن بحاجة إلى تسامح سياسي حقيقي، لأن شعور المواطن بالكرامة هو أساس الانتماء والولاء للوطن”.
وحول جهوده الشخصية في الإفراج عن المحتجزين، أوضح السادات أنه لا يعتمد على “الصخب الإعلامي”، بل يتبنى أسلوب التفاهم والتواصل المباشر مع الجهات المختصة، وقال: “من خلال عملي في المجلس القومي لحقوق الإنسان، اكتسبت خبرة في أهمية الحديث الهادئ والمباشر، وقد نجحنا في الإفراج عن عدد من الأشخاص، وتمكين آخرين من السفر أو العودة، دون ضجيج أو حملات دعائية، وهذا الأسلوب أثبت فعاليته”.
أما بشأن الحوار الوطني، فذكر السادات أن الدعوة له كانت موضع ترحيب، وحملت في بدايتها آمالًا كبيرة نحو التغيير، إلا أن نتائج الحوار جاءت مخيبة للآمال، مضيفًا: “رغم مشاركة الجميع، إلا أن التوصيات التي خرجنا بها لم تجد طريقها إلى التنفيذ، وأوضح مثال على ذلك قانون الانتخابات، كنا نأمل بنظام مختلط يتيح تمثيلًا أفضل للأحزاب الصغيرة، لكن القانون صيغ وفق رغبة الأغلبية، وتم رفضه من قبلنا”.
وأضاف أن الأحزاب السياسية تعيش حالة عامة من الضعف، مؤكدًا: “كلنا كأحزاب، بمن فيهم حزبي، نعاني من ضعف القاعدة الشعبية، وغياب حرية الحركة الكاملة، هناك جزء تتحمله الدولة ومؤسساتها، وجزء آخر يقع على عاتقنا، لكن رغم ذلك، لا يمكن الاستغناء عن الأحزاب، فهي عماد النظام السياسي وضمان التداول السلمي للسلطة”.
وعبّر السادات عن رفضه لفكرة المقاطعة السياسية للانتخابات، موضحًا: “أنا من دعاة المشاركة، لا المقاطعة، حتى في أصعب الظروف، يجب أن نُشارك، ونعبر عن رأينا، نقول نعم أو لا، نتحالف أو ننافس، أما المقاطعة فلا تحقق شيئًا سوى المزيد من السلبية والإحباط”.
وفيما يخص الأصوات المطالبة بعدم المشاركة، أشار إلى أنها موجودة بالفعل، بسبب الإحباط من قانون الانتخابات، لكنه اعتبر ذلك توجهًا غير صحيح، قائلًا: “أتفهم الغضب، لكن علينا احترام ما صدر عن البرلمان، والعمل على خلق مساحة حقيقية نعبر من خلالها عن مطالب المواطنين”.
وبشأن إمكانية الدعوة لجولة جديدة من الحوار الوطني، قال السادات: “بعض الجهات ستشارك، وأخرى فقدت الأمل، وهذا طبيعي، لكنني أؤيد دائمًا مبدأ الحوار، بشرط أن يُفضي إلى نتائج ملموسة، لا نريد حوارات تُعقد وتنتهي دون تنفيذ، وأعتقد أن مجلس أمناء الحوار الوطني استوعب هذا الدرس جيدًا”.
أما عن قطاع السياحة، فأكد السادات أن مصر حققت إنجازات مهمة، خصوصًا على مستوى البنية التحتية، كالمتحف المصري الكبير ومتحف الحضارة، لكنه حذر من استمرار أزمة التعامل المجتمعي مع السائح.
وقال: “المشكلة تبدأ منذ لحظة وصول السائح إلى المطار، حيث يواجه استغلالًا من بعض السائقين أو الباعة، ولا يجد الاحترام المطلوب، نحتاج إلى ثقافة مجتمعية جديدة في التعامل مع السياح، فلبنان، مثلًا، رغم افتقاره للآثار، يملك أسلوبًا جذابًا في التعامل، أما نحن فنمتلك كل المقومات، لكن نفتقر للأسلوب”.
وفي ختام حديثه، شدد السادات على وجود بعض الاستجابات من الدولة في الملفات الحقوقية والإنسانية، لكنها ما زالت محدودة وتحتاج إلى توسيع وتسريع، مؤكدًا: “نجحنا في إطلاق سراح بعض الأشخاص، وعلاج آخرين، وتمكين البعض من السفر أو العودة، لكنني كنت أتمنى الوصول إلى مرحلة (تبييض السجون) بشكل فعلي، خصوصًا مع حالة الاستقرار الحالية، لا يصح أن يُحبس شاب أو فتاة بسبب تضامنهم مع فلسطين، في حين أن الرئيس نفسه دعا إلى التضامن، نريد فقط أن نرى اتساقًا وعدالة حقيقية”.